جاء عند الإمام مسلم رقم (144) من حديث حذيفة ـ رضي الله عنه ـ
قال سمعت رسول الله يقول : (( تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً
عوداً فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة
بيضاء حتى تصير على قلبين على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت
السماوات والأرض والآخر أسود مرباداً كالكوز مجخياً لا يعرف معروفاً ولا
ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه)) .
قال ابن القيم رحمه الله في كتابه "إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان" 1/17:
(شبه عرض الفتن على القلوب شيئا فشيئا كعرض عيدان الحصير وهي طاقاتها
شيئا فشيئا وقسم القلوب عند عرضها عليها إلى قسمين: قلب إذا عرضت
عليه فتنة أشربها كما يشرب السفنج الماء حتى يسودّ وينتكس وهو معنى قوله:
(كالكوز مجخيا) أي: مكبوبا منكوسا فإذا اسودّ وانتكس عرض له من هاتين
الآفتين مرضان خطران متراميان به إلى الهلاك أحدهما: اشتباه المعروف عليه
بالمنكر, فلا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا, وربما استحكم عليه هذا المرض
حتى يعتقد المعروف منكرا والمنكر معروفا والسنة بدعة والبدعة سنة والحق
باطلا والباطل حقا. الثاني: تحكيمه هواه على ما جاء به الرسول وانقياده
للهوى واتباعه له. وقلب أبيض قد أشرق فيه نور الإيمان وأزهر فيه مصباحه,
فإذا عرضت عليه الفتنة أنكرها وردها فازداد نوره وإشراقه وقوته. والفتن
التي تعرض على القلوب هي أسباب مرضها وهي فتن الشهوات وفتن
الشبهات، فتن الغي والضلال، فتن المعاصي والبدع، فتن الظلم والجهل.
فالأولى توجب فساد القصد والإرادة والثانية توجب فساد العلم والاعتقاد).
قلت: والحديث هذا دعوة نبوية إلى حراسة القلوب. فما أحوج المسلمين إلى
قبولها والعض عليها بالنواجذ.