المشاركة الأصلية كتبت بواسطة علي الملاحي

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام علي خير خلق الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وبعد...

يقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير".

ويقول "يأيها الذين آمنوا لا يسخرْ قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نِساءٌ من نِساءٍ عسى أن يَكنَّ خَيراً منهنَّ".

ثم أما بعد....

إطلعت على ما شاب هذا الموضوع من إختلاف في وجهات النظر، والتفاخر بأمجاد الأجداد العظام ، وأرى أن تفاخر وتطاول بعض من الناس، بالنسب، أو الحسب، ما هو الا فعل من أفعال الجاهلية الأولى، التي كان يتصافع الناس بها لأتفه الأسباب، فمن منا لم يسمع بحرب داحس والغبراء؟ وإنني أراها تتكرر بين النوادي الرياضية فيستشيط جمع من الجموع، فيعيث في الأرض فسادا، فيحرق الأخضر واليابس. ولا غرابة أن تتكرر هذه التراشقات في المنتديات الإلكترونية، والتي يفترض بها أن تثري الناس بشتى صنوف الثقافة والمعرفة، وتبادل المعلومات. إنه لشيء مؤسف ومحزن، أن نرى بعضا من الأخوة، يتراشقون بكلمات نابية، لمجرد إختلاف وجهات النظر، حول أمور لم يساهموا هم، في صياغتها أو صناعتها.

فمن قال أن قبائل طيء أكثر شجاعة من قبائل عنزة؟ ومن قال أن قبائل بنو عامر أكثر شجاعة من قبائل حمير؟ أو قبائل حمير أشجع من قبائل قريش؟ فهذه أمة العرب! وهذه قبائلها الكريمة التي خصها الله بالرسالة المحمدية! وهي آخر الديانات وهو آخر الرسل ، فإمتاز العرب عن غيرهم بشجاعتهم، وبأسهم، وقوتهم، وصبرهم، وتحملهم للصعاب، يبذلون المهج من أجل مبادئهم وعقيدتهم ، ألم تقرأوا كيف كان عكرمة بن أبي جهل القرشي وضرار بن الأزور الكندي ينقضون فرسانا أبطالا على جموع الروم في وقعة اليرموك!؟ فهل رجالات قريش أشجع وأقوى من رجالات كندة!؟ أم أن كندة أشجع من قريش!؟ فهذا خالد بن الوليد مثلا يصاهر رافع بن عميرة الطائي، ولو كان خالدا غير خالد المخزومي، لما صاهره رافع الطائي، ولا خالد صاهر رافع لو لم يكن رافع الطائي ، يقول سبحانه وتعالى في سورة الأنعام مخاطبا نبيه الكريم " اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ124). فالذي أنجب محمد صلى الله عليه وسلم هي قريش التي أنجبت أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وخالد، والذي أنجب عدي بن حاتم الطائي، وذو الكلاع الحميري، والمقداد بن الأسود الكندي، والأشتر النخعي، وملايين العرب الذين قامت على أكتفهم الرسالة السماوية السمحاء، هي قبائل أصيلة، ليس لبعضها على بعض إستعلاء، ولا فوقية، فالله جعل لكل منهم رئاسته ، والتنافس في الدنيا تحكمه قوانين العدد ،والعدة ، والشجاعة، والمباغتة ، فتسيطر قبيلة بحكم أي من هذه القوانين على رقعة من الأرض، ويصبح كل من يسكن تلك البقعة في حماها، ولا يعني بالضرورة الأصالة والنسب، لأن المحمي كثيرا ما يوازي ويساوي الحامي بالنسب. يقول الله سبحانه وتعالى "وتلك الأيام نداولها بين الناس"، ويقول المثل العربي "لو دامت لغيرك ما إتصلت اليك".

أنظروا الى أولائك الرجال الذين يدفعون بمهجهم في آليات ومنشآت اليهود والأمريكان في فلسطين والعراق ، أليسوا عربا من أصلاب أصيلة، وكم منهم من لا يعرف الى أي قبيلة ينتمي؟ فهو عربي وعقيدته العقيدة المحمدية، يفتدي بروحه رجالا ونساء من بني قومه، أليسوا هؤلاء بأحفاد عكرمة بن أبي جهل، وشرحبيل بن حسنة، ومعاذ بن جبل!؟ بلى والله، هم كذلك.

أما الحكم في الأرض فيعطيه الله لمن يشاء من عباده، عشيرة كانت أم فردا، ومهما تحدثنا عن العشائر والقبائل، بوضعها الحالية فهي ولا شك ليست صافية نقية بمسمياتها القديمة ، بل إنها وعبر مسيرتها التاريخية الطويلة، الممتدة مئات السنين، تتعرض القبائل الى إرهاصات في مواطنها، تجعلها ترحل، أو تنزح، أو تجلو، أو تهج، أو تدخل في تحالفات تنصهر في أنسابها وتصبح مزيجا من السلالات ، فبنو لام مثلا ، وهي إحدى قبائل طيء، مشتتة في كافة أصقاع الشام، والعراق، وشبه الجزيرة العربية، ومصر، وبنو عامر بن صعصعة مثلا إنتشروا كذلك وصل أولهم الدار البيضاء وآخرهم في العراق، ومن يدري؟ إن لم يكن منهم من إختلط بالعجم وأصبح منهم.

أقول .. لقد شرفنا الله بحمل الرسالة المحمدية ، كما حملها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، على إختلاف قبائلهم تحت راية لا الاه الله محمد رسول الله، الذين خرجوا من صحاريهم القاحلة ليكنسوا الروم عن أرض الشام، ويطفئوا نار الفرس في العراق، أرى أن نترفع عن التنابز والتطاول ، وأن نحكم الكتاب والسنة في ما نختلف فيه ، وإلا فإن ألف داحس وغبراء تنتظرنا.


وكتبه
علي بن فلاح الملاحي الصقري
مؤرخ عشائر عرب الصقر (المفارجة) الطائية
إربد - الأردن