عرض مشاركة واحدة
قديم 11-05-2013, 06:39   #2
ولد الأشراف
ضيف


الصورة الرمزية ولد الأشراف

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (04:00)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue
تعاون الدولتين العثمانية والصفوية ضد مملكة المنتفق وحكامها أسرة السعدون الأشراف 1698م








وقد كان أول ما بدأ به الأمير ثويني بن عبدالله بعد طرد كبار الموظفين العثمانيين هو إنذاره لجنوده بالقتل اذا ماأعتدوا على أحد من السكان أو على أموالهم ، ثم اتصل بالشركات والتجار الأجانب في مدينة البصرة ، وهو ماساهم بإزدهار التجارة التي كانت كاسدة قبل احتلاله لها ، ويعود سبب ازدهار التجارة في البصرة الى خبرة الأمير ثويني السابقة عندما انشأ مدينة سوق الشيوخ (عاصمة مملكة المنتفق) كمركز تجاري في المنطقة وبسبب تخلصه من فساد الولاة والموظفين الأتراك في مدينة البصرة ، يذكر المؤرخ حامد البازي ، في كتابه البصرة في الفترة المظلمه , ص : 40 (((فلما دخلها بجيشه اصدر امرا شديدا لرجاله انذرهم فيه بالقتل اذا ما تعرضوا لأحد من السكان او اموالهم ))) ويكمل البازي أيضا عند حديثه عن الأمير ثويني بن عبدالله ، ص: 40 ((( اتصل بالتجار العالميين كما اتصل بالحكومات والشركات لتزدهر التجارة وذلك لأن تجارة البصرة بعد ايام من احتلاله لها زادت اضعافا مع انها كانت قبل الاحتلال كاسدة ))).

ثم قام الأمير ثويني بن عبدالله بتأسيس مجلس استشاري يساعد على الحكم يكون فيه كبار وجهاء العراق وعلى رأسهم شيخ قبائل الخزاعل وشيخ قبيلة العبيد الذين ساندوه فيما يعتزم القيام به، وهي حالة متقدمه سياسيا تبين تميز هذا الحدث في تاريخ العراق وتدل على أن الأمير ثويني بن عبدالله كان يعي جيدا ماهو مقبل عليه ويعرف اختلاف مكونات سكان العراق ، لذلك أنشأ هذا المجلس هو وحلفائه ليكون خير داعم للمرحلة المقبلة التي ينوي البدء بها، وهي من الأمور التي تحسب لحاكم مملكة المنتفق في تلك الفترة التاريخية. بعد ذلك قام الأمير ثويني بن عبدالله بتعيين الشيخ عبدالوهاب بن محمد بن فيروز التميمي قاضيا للبصرة ، وهو ابن عالم الأحساء الكبير الشيخ محمد بن فيروز التميمي ، يذكر المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري ( المعاصر للأحداث ) ، عند حديثه عن الشيخ عبدالوهاب بن محمد بن فيروز التميمي ، في كتابه سبائك العسجد في اخبار نجل رزق الاسعد ، ص : 96 ((( ورحل الى البصرة وحصل له فيها اتم الشهره وولاه ثويني بن عبدالله زمام احكامها وعرى حلها وابرامها حين تولى عليها ونزع سوار ملك حاكمها من يديها))).

ومن أبرز الأمور التي قام بها أيضا حاكم مملكة المنتفق هو محافظته على الأمن والنظام في مدينة البصرة حيث فتحت المحلات التجارية بعد نصف ساعه من دخوله للمدينة عسكريا وهو مايعني تأييد سكانها لتحركه العسكري وإحترامهم لما يعتزم تنفيذه ، وقام بشق الطرق وتخصيص حرس في خارج المدينة لحماية التجارة والقوافل وشكل قوات بحرية لحماية شط العرب وذلك للمحافظة على الإستقرار أثناء عملية انتقال السلطة والتصدي لكل محاولة لزعزعة الإستقرار من قبل العثمانيين أو الفرس، يذكر المؤرخ حامد البازي ، في كتابه البصرة في الفترة المظلمه , ص : 40 ((( والحقيقة أن ثويني قام بعمل عجيب في احتلاله للبصرة حتى تذكر التواريخ بأن الحياة التجارية عادت الى المدينة وفتحت الحوانيت والمحلات التجارية بعد ساعة من احتلال المدينة وكأن روح النظام العسكري العربي قد تجسم في ارواح الجند الفاتحين حتى انهم قاموا بشق الطرق وتوسيع الشوارع وخصص حرس في خارج المدينة لتامين التجارة والقوافل كما خصصت قوات في سفن تجوب مياه شط العرب وفم الخليج لتأمين التجارة البحرية ))). ويذكر أيضا المؤرخ حامد البازي ، في كتابه البصرة في الفترة المظلمه ، عند حديثه عن الأمير ثويني بن عبدالله , ص : 118 ((( وكانت أهم منجزات ثويني هي حفظ الأمن فقد نصب المشانق للسراق وقطاعي الطرق .... ثم أرسل الموظفين الى القرى ليشتروا الحبوب والفواكه والسمن لعرضها في الاسواق بقيمة رخيصة ، كما وانه قبض على رجال البحرية التركية الذين كانوا يساعدون على القرصنة في شط العرب ليقاسموهم الاموال .. ثم حبس بعض هؤلاء الاتراك كما جلد آخرين منهم امام الناس حيث كان يجري الجلد أمام دار الوالي وبحضور أهل المدينة جميعا ... كما صاح المنادي بالسكك والشوارع ان لايغلق أحد بيته ليلا وان من يقبض عليه بعد الساعة التاسعة ليلا يعدم وان السارق يقطع بالسيف ويرمى لحمه للكلاب فكان ان استتب الأمن والاطمئنان فارتفعت اجرة العامل اليومية من قرش الى قرشين وزادت حاصلات البصرة من الحبوب بمقدار مائة طغار على السنين السابقة. ثم وقف رجاله على حدود منطقة البصرة ليأخذوا رسوم الكمارك عن البضائع الداخلة وشدد على رسوم التبغ والمواد غير الضرورية بينما خفض رسوم المواد الضرورية))).

أخيرا ننقل هنا وصفا لهذه الفترة لأحد الأجانب والمعاصر لها ، ينقل المؤرخ جعفر الخياط ، في كتابه صور من تاريخ العراق في العصور المظلمة ، عن المستر توماس هاويل ( Thomas Howell) المعاصر للأحداث عند مروره بالبصرة وحديثه عنها وتعجبه مما قام به الأمير ثويني بن عبدالله ومن الإنضباط لجنود حاكم مملكة المنتفق ، ص: 214 ((( وكان الشيخ ثويني – الشيخ العربي القدير – قد استولى عليها في سنة 1787 بتدابيره الصائبة ففاجأ حاميتها واحتل المدينة من دون مقاومة . والأمر الذي يجب ان يلفت النظر اليه أنه لم يصب أذ ذاك أحد من سكانها بأهانة , ولم يتجاوز أحد على مال لأحدهم . ولم يطلب الشيخ من سكانها غرامة حربية. وبعد أن استولت جيوش الشيخ بنصف ساعة عادت شؤون الناس تجري بإنتظام لايشوبه مايخل به , فكأنه لم يقع هناك حادث غير عادي ... ان الشعوب الممعنة في المدنية والعلم لتغبط هذه الحالة الداعية الى الشرف وهي ترينا أنه مع ماعليه الاعراب من ميل الى السلب والنهب فإن لهم أنظمة ودساتير تبعث بهم حب السلام ويكون رائدها الطاعة القصوى لرئيسهم , وهو روح النظام العسكري ... اما الشيخ فهو كهل شجاع باسل ذو اقدام على العمل , قل من يفوقه أحد . وهو عزيز على مواطنيه لحسن تدبيره في الأمور وتوقد ذهنيته , وجنوحه الى جانب الحق , ولاعتداله الذي يتمشى عليه في شؤون امارته , وقد جعلته هذه الصفات محترما عند الناس كافة ))).

لمزيد من التفاصيل يمكن الرجوع للبحث الموسع التالي والذي يغطي هذا الحدث الرئيسي وماسبقه وماتبعه من أحداث ، ويستند الى أكثر من سبعين مرجع تاريخي الكثير منها معاصر للأحداث:

آل سعدون الأشراف وأول إعلان تاريخي ومحاولة لإستقلال العراق بأكمله عام 1787م

http://www.alfothool.com/vb/showthread.php?t=34802

11- الدولة العثمانية تجهز حملة إقليمية كبيرة ضد مملكة المنتفق وتسندها بقوات حاكم الحجاز ثم تفشل في إرسالها:


نعود للأحداث في عهد الأمير مانع بن شبيب حيث أنه بعد أن ضم مدينة البصرة لمملكة المنتفق للمرة الثالثة (عام 1106هـ - 1694م) أصبحت مملكة المنتفق تعيش صعودا على كافة الأصعدة عسكريا وسياسيا وإقتصاديا ، بينما كان العثمانيين في نصف العراق الشمالي على عكس ذلك يعيشون انحدارا على جميع الأصعدة عسكريا وسياسيا وإقتصاديا .. خصوصا بعد أن فقدوا أهم مورد مالي لهم في العراق ميناء البصرة والذي كان أهم موانئ الخليج العربي ومتلقى القوى الدولية في المنطقة تجاريا ، لذلك قررت الدولة العثمانية تجهيز حملة جديدة ودعمها بقوى إقليمية جديدة على أمل إستعادة مدينة البصرة ، وبدأ التحضير للحملة والتي دعمت بقوات ولاية بغداد وديار بكر وكركوك والموصل والرها وطلبت الدولة العثمانية العون العسكري من حاكم الحجاز الشريف سعد (أقوى الحكام في داخل الجزيرة العربية في تلك الفترة) والذي التحق بالحملة ، يذكر هذه الحملة مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي , في كتابه موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين ، أحداث سنة 1107هـ - 1695م , المجلد الخامس , ص :161 ((( بذل الوزير مافي وسعه لإنقاذ البصرة وجعل معه الوزير حسين باشا محافظ ديار بكر بعساكره. وكذا ولاة كركوك والموصل والرها فهؤلاء أمروا مع كتخدا الباشا بالذهاب الى البصرة حتى أن الشريف سعد (شريف مكة) عين مع هؤلاء))). ويرجح الوهبي أن قوات دولة بني خالد شاركت في هذه الحملة أيضا ، يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي في هامش كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 391((( سيرت حملة عسكرية كبيرة لاستعادة البصرة سنة 1107هـ ولكنها فشلت قبل الوصول للبصرة لسبب غير معروف فعادت قواتها الى بلدانها ، وقد شاركت في تلك الحملة جميع ألوية العراق اضافة الى القوى والقبائل المحلية المؤيدة للعثمانيين ، حتى ان الشريف سعد شريف مكة البعيد نسبيا كلف بالإنضمام الى الحملة ، ومن المرجح مشاركة بني خالد في تلك الحملة نظرا لصراعهم مع المنتفق بزعامة مانع ولصلتهم القوية بالعثمانيين في تلك الفترة ))).

وكانت قيادة الحملة العسكرية قد أسندت لوالي بغداد إلا ان الحملة فشلت في التحرك الى مدينة البصرة وتفرقت قواتها ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي , في كتابه موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين , المجلد الخامس , ص :161 ((( وعهد بالقيادة (الامارة) الى الوزير فلم يتيسر له السفر وأن والي ديار بكر حسين باشا توفي في بغداد. رأى الجيش فقدان الارزاق وقلتها فلم يبد رغبة ، وعاد أكثره الى مواطنه))). ويمكن تلخيص الأسباب الرئيسية التي أدت الى فشل الحملة بالآتي : أولا الوضع الأقتصادي السيء الذي وصل له العثمانيين في العراق بعد فقدهم لميناء البصرة . ثانيا عدم رغبة الولاة والحكام المشاركين في الحملة في المواجهة العسكرية مع مملكة المنتفق وخصوصا بعد تصاعد القوة العسكرية لمملكة المنتفق وفشل جميع الحملات العسكرية العثمانية السابقة عليها. وأخيرا كانت القشة التي قصمت ظهر البعير هي وفاة والي ديار بكر وهو ما أوجد الذريعة للمشاركين للإنسحاب وتسبب في تفكك الحملة ، يذكر المؤرخ العثماني نظمي زاده مرتضى افندي (المعاصر للأحداث) ، في كتابه كلشن خلفا ، عند حديثه عن الأسباب التي أدت الى عدم تحرك الحملة من بغداد، ص: 302 ((( وأضيف اليهم شريف مكة المكرمة الشريف سعد ، على أن يكونوا كلهم تحت قيادة والي بغداد ، ولكن شاء الله أن يتأجل موعد سفر هذه الحملة ، ووفاة والي ديار بكر المرحوم حسين باشا ، وارتفاع الاسعار في بغداد وتبرم رجال الحملة بهذا السفر ، وقلة رغبتهم فيه ، كل هذه الأسباب ، أوجبت عودتهم من حيث أتوا))).

12- تعاون الدولتين العثمانية والصفوية عسكريا (في سابقه تاريخية) ضد مملكة المنتفق:


بعد فشل الدولة العثمانية في حشد الدول الإقليمية العربية الموالية لها بالإضافة الى الولايات العثمانية التابعه لها في العراق وسوريا وكردستان وجنوب تركيا ضد مملكة المنتفق..أصبحت مجبرة على طلب العون من أحد الدول الكبرى ولذلك اتجهت انظارها الى التحالف مع عدوها التقليدي الدولة الصفوية حيث اتفقت مصلحة الدولتين العظميين على القضاء على النفوذ المتزايد لحاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف مانع بن شبيب آل شبيب وتم الإتفاق بينهما على التحرك عسكريا على جبهتين ضد مملكة المنتفق. الجبهة الأولى هي الجبهة الفارسية وأسندت قيادة هذه الجبهة الى والي الحويزة الأمير فرج الله التابع للدولة الصفوية ، ومهمة هذه الجبهة هي إشغال قوات مملكة المنتفق في معارك على الحدود في إقليم عربستان حتى تتمكن القوات العثمانية من إنتزاع البصرة .. وكان السبب في اختيار والي الحويزة هو نجاحه في رد حملة لمملكة المنتفق على الحويزة ، وهي الحملة التي قادها الأمير صقر آل شبيب (أخو حاكم مملكة المنتفق الأمير مانع بن شبيب) وشارك فيها وزير حاكم مملكة المنتفق (المسمى جعفر). وهذا مارفع صيت والي الحويزة بعد أن نجح فيما فشل به العثمانيون وهو هزيمة قوات مملكة المنتفق. يذكر المؤرخ الإنجليزي ستيفن لونكريك في كتابه أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث , عند حديثه عن الحويزة ومملكة المنتفق، ص: 151 ((( ففي 1697م (1109هـ) بلغ عداؤهما حده الأعلى. ودحر فرج والي الحويزة في موقعة ما رئيسا كبيرا من رؤساء المنتفك))). ويذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ,في كتابه موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين , عند حديثه عن هزيمة الحملة التي أرسلها حاكم مملكة المنتفق للحويزة بقيادة أخيه , المجلد الخامس , ص 164 ((( وجل ماعرف من تاريخ راشد أن أخا الشيخ مانع ومثله كتخداه جعفر لم يتمكن من الحويزة وعاد مخذولا في حربه))).

أما الجبهة الثانية فهي الجبهة العثمانية وهي التي كان مقررا أن تدخل قواتها لمدينة البصرة وكانت بقيادة حسن باشا المرشح لمنصب والي مدينة البصرة ، وكانت مهمة هذه الجبهة هي دخول مدينة البصرة عسكريا وذلك لكونها سوف تواجه قسم قليل من قوات مملكة المنتفق التي سوف تكون وقتها تقاتل على الجبهة الفارسية. وكان والي بغداد قد أستقبل رسائل من بعض كبار سكان البصرة تطلب منه التقدم بإتجاه المدينة وخصوصا بعد فشل الحملة التي أرسلها حاكم مملكة المنتفق الى الحويزة سابقا والتي كانت تنذر بإندلاع حرب جديدة في المنطقة بين والي الحويزة وحاكم مملكة المنتفق وهذا ما دعم والي بغداد سياسيا قبل تحركه لمدينة البصرة كونه استطاع خلخلت الجبهة الداخلية لحاكم مملكة المنتفق وفي قلب عاصمته. وبدأت العمليات العسكرية بين القوات الفارسية وقوات مملكة المنتفق على الجبهة الفارسية ، بينما تقدمت القوات العثمانية بإتجاه البصرة على الجبهة العثمانية وأستطاعت أن تحتل القرنة شمال مدينة البصرة ، الا أنها فشلت في التقدم الى مدينة البصرة بعد أن تم صدها وهزيمتها من قبل قوات حاكم مملكة المنتفق الذي ترك الجبهة الفارسية على عجل وفيما يبدو انه حصل وقتها على هدنه من والي الحويزة (الذي ذكرت كتب التاريخ أنه خدع مانع) ، يذكر المؤرخ الإنجليزي ستيفن لونكريك في كتابه أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث ، ص: 151 ((( وقدم أشراف البصرة ، الذين ملوا تقلبات الحكم العشائري ، عريضة الى بغداد طلبوا فيها ارسال والي أصولي اليهم. وكان حسن باشا ، المرشح للمنصب ، في بغداد فتحقق بواسطة وكلاء خاصين الموقف المناسب في الميناء ، ثم تحرك اليه. فاحتلت القرنة ، غير انه لسبب من الاسباب خاب في التقدم الى البصرة ، ففشلت الحملة))).

كانت هزيمة الحملة العثمانية ومن ثم فشلها في إستعادة مدينة البصرة قد وضعت والي بغداد في موقف حرج جدا أمام الخليفة العثماني وكادت أن تتسب في فشل التحالف بين الدولتين العثمانية والصفوية ، وأصبح والي بغداد في حيرة من أمره حيث أن القوات العثمانية كانت عاجزة عن التقدم لكون قوات مملكة المنتفق تقف في طريقها. الا أن والي بغداد وجد ان الحل لذلك الإشكال هو السماح للقوات الفارسية بإحتلال البصرة بدلا من القوات العثمانية ( وهو القرار الذي تسبب في عزل والي بغداد من قبل الخليفة العثماني كما سوف يأتي لاحقا) ، وكان فرج الله والي الحويزة قد أرسل رسله لبغداد طالبا السماح له بالتقدم بالقوات الفارسية لإحتلال البصرة ولم يكن أمام والي بغداد الا القبول بذلك على شرط أن تسلم المدينة للعثمانيين بعد ذلك مباشرة ، يذكر المؤرخ الإنجليزي ستيفن لونكريك في كتابه أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث ص: 151 (((وهنا وجد الباشا في بغداد طريقة سهلة لحل المشكل. فقد وصل اليه رسل فرج الله خان يطلبون رخصته في اخراج مانع من البصرة ، فصودق على الفكرة على كل حال))).

وقد كانت الجبهة الفارسية هي أخر جبهة يتوقع حاكم مملكة المنتفق أن تأتي منها قوات لإحتلال مدينة البصرة كون ذلك كان يعني إندلاع حرب بين الدولتين العظميين العثمانية والصفوية ، ولم يكن يتصور أن تتعاون الدولتين ضده في عمل عسكري مشترك ، لذلك سقطت المدينة عسكريا بيد القوات الفارسية ونجح التعاون بين الدولتين العثمانية والصفوية في إخراج حاكم مملكة المنتفق من مدينة البصرة ومن خلال الجبهة الأقل تحصينا ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو , ج 3 , ص: 595 , متحدثا عن عام 1109 هـ ((( وفي العام نفسه احتل فرج الله بموافقة الحكومة الفارسية والعثمانية البصرة والقرنه ))). يذكرعبدالكريم المنيف الوهبي في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، عند حديثه عن تعاون الدولتين العثمانية والفارسية ، ص: 391 ((( ومن المحتمل اشتراك بني خالد في الأحداث التي اعقبت ذلك فيما بين عامي 1103 – 1109 هـ ضد مانع الذي استقل بالبصرة ، وماادى اليه من موافقة العثمانيين على التعاون مع الفرس لإستعادتها منه عن طريق والي الحويزة ))).

ان ما ذكرته كتب التاريخ من أن والي الحويزة قد خدع حاكم مملكة المنتفق الأمير مانع بن شبيب وانتزع منه البصرة بالحيل والدسائس يدل على أن مانع أقام هدنة مع والي الحويزة وترك القتال في الجبهة الفارسية وتوجه للتصدي للعثمانيين .. وهو ما مكن القوات الفارسية من التقدم بقوات ضخمه على جبهة غير محصنة وأدى لسهولة دخولها للمدينة ، يذكر ابن الغملاس ، في كتابه البصرة ولاتها ومتسلموها ، ص: 75 ((( فحكم مانع الى سنة 1109 ثم خدعه حاكم الحويزة فرج الله خان واستعمل عليه الدسائس والحيل وأخرجه من البصرة وضبط حكومتها))). ويذكر عارف مرضي الفتح ، في كتابه الإيجاز في تاريخ البصرة والأحساء ونجد والحجاز ، المجلد الأول ، ص: 550 ((( أخذ راعي الحويزة فرج بن مطلب البصرة ، فقد حارب مانعا بجيش جرار حتى تمكن منه واستولى عليها ، وأخرج مانعا بالخدعة والدسائس والحيل ))).

بعد دخول القوات الفارسية بقيادة فرج الله لمدينة البصرة ، أصبحت المدينة تحت سيادة الدولة الصفوية كليا ، يذكر علي ظريف الأعظمي ، في كتابه مختصر تاريخ البصرة ، ص: 156 ((( استولى فرج الله خان حاكم الحويزة على البصرة كما ذكرنا ... فدخلت البصرة تحت سيادة الفرس))). وكان من المفترض أن يقوم والي الحويزة بتسليم المدينة للدولة العثمانية كما وعد في اتفاقه مع والي بغداد الا أن فرج الله خدع والي بغداد أيضا وأرسل مفاتيح البصرة والقرنه الى الشاه حسين حاكم الدولة الصفوية وذلك طمعا في ان تبقى المدينة تحت سيطرته بموافقة الشاه ، يذكر المؤرخ الإنجليزي ستيفن لونكريك في كتابه أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث ، ص: 151 ((( فطارد الخان القوات المنتفكية من البلدة واحتل القلعة فيها ثم احتل قلعة القرنة. غير انه (على عكس اتفاقه مع بغداد) أرسل بالمفاتيح الى الشاه))). ولما وصل الخبر الى الشاه حسين حاكم الدولة الصفوية لم يرضى بما قام به والي الحويزة لكون ذلك سوف يتسبب بحرب بين الدولتين العثمانية والصفوية ، لذلك قام الشاه بضبط المدينة وتعيين داود واليا عليها الى أن تتسلمها الدولة العثمانية منه ، وقد كانت الدولة العثمانية عاجزة أصلا عن التقدم للمدينة كون حاكم مملكة المنتفق قد ضرب عليها حصارا في محاولة لإستعادتها من الفرس ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ,في كتابه موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين , عند حديثه عن والي الحويزة , المجلد الخامس , ص 165 ((( ولما أخبر الشاه لم يرض بعمله ، وضبط المدينة وعين لها داود خان واليا الى أن تتسلمها الدولة العثمانية منه ))). لقد تسبب تصرف والي الحويزة وسوء تقديره لعواقب الأمور في إجباره على التنحي والخروج من مدينة البصرة ، وذلك بعد أن خرج عن النص ولم يلتزم بالإتفاق الجديد بين الدولتين الصفوية والعثمانية والذي يقتضي بأن تدخل القوات الفارسية (بقيادة والي الحويزة) لمدينة البصرة ثم تقوم بتسليمها للدولة العثمانية ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ، عند حديثه عن والي الحويزة , ج 3 , ص: 279 ((( وبالاتفاق ، ليس فقط مع سيده ملك الفرس وإنما أيضا مع العثمانيين قام فرج الله بطرد شيخ المنتفق من البصرة ، لكنه أرغم بعد ذلك على التنحي لصالح وال فارسي))).

وبوصول مفاتيح البصرة الى الشاه حسين حاكم الدولة الصفوية بدأ قطف ثمار التعاون بين الدولتين العثمانية والصفوية ، حيث أرسلت الدولة الصفوية وفدا كبيرا مع هدايا قيمة الى الخليفة العثمانية إحتفالا بنجاح التعاون بين الدولتين العظميين ، وقد تلقى الوفد الفارسي ترحيبا وتقديرا من الخليفة العثماني ، وتم بالمقابل إرسال وفد عثماني كبير الى الشاه حسين في أصفهان ، يذكر المؤرخ الإنجليزي ستيفن لونكريك في كتابه أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث , عند حديثه عن مفاتيح مدينة البصرة ، ص: 151 ((( فبادر الشاه حسين ، المعتلي حديثا على العرش ، بإرسالها مع الهدايا الفاخرة الى السلطان ، فقوبلت تلك الوفادة بكل تقدير ، وأرسل وفد جليل في مقابل ذلك الى أصفهان))). وقد تفاجأ والي الحويزة من تصرف الشاه كونه كان يطمح بخداعه لوالي بغداد وإرساله لمفاتيح المدينة للشاه الى أن تبقى المدينة تحت حكمه هو وبموافقة الشاه ، ولكن الأمور سارت على عكس ما يشتهي حيث أن الشاه حسين حاكم الدولة الصفوية لم يكتفي بإرسال مفاتيح مدينة البصرة للخليفة العثماني ... بل قام أيضا بإخراج فرج الله من مدينة البصرة وعين والي آخر عليها ، وبذلك ضاعت جهود والي الحويزة وتم إخراجه من مدينة البصرة بسبب تصرفه الذي كاد يتسبب في حرب بين الدولتين العثمانية والصفوية ، وعاد الى الحويزة وهو غاضب ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو , ج 3 , ص: 595 ((( وتولى ادارة البصرة موظف فارسي ، الا أن الشاه أرسل مفتاح المدينة الى السلطان. فعاد فرج الله خان الى الحويزة غاضبا))). ولم يكن والي الحويزه (فرج الله) يعلم أن الشاه سوف يعزله قريبا وأن من سوف يجيره ويحميه من العثمانيين ومن الفرس هو خصمه حاكم مملكة المنتفق في موقف عربي نبيل كما سوف يأتي بالقسم التالي من البحث.

13- دعم الأمير الشريف مانع بن شبيب للحملة العثمانية لإستعادة البصرة من ولاة الفرس:


كان احتلال البصرة بالطريقة التي تم بها (كما ذكرنا في الفصل السابق) قد تسبب بنتائج كارثية على والي بغداد وعلى والي الحويزة، حيث ان قرار والي بغداد (علي باشا) بالسماح للقوات الفارسية بإحتلال البصرة بدلا من القوات العثمانية كان ذو تأثير مباشر على منصبه ، فقد تم عزله مباشرة من قبل الخليفة العثماني بعد مغادرة الوفد الفارسي الذي سلم مفاتيح المدينة للخليفة ، وتم تعيين والي مصر السابق اسماعيل باشا كوالي لبغداد مكانه ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي , في كتابه موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين , حوادث سنة 1110هـ - 1698م ، عند حديثه عن علي باشا الذي كان قد عين كوالي لبغداد عام 1107هـ - 1695م , المجلد الخامس , ص 165 ((( وجاء في تاريخ راشد أن علي باشا عزل سنة 1109هـ اثر عودة رسول الشاه. وكان غضب عليه من جراء اهماله وتكاسله بحيث ترك البصرة حتى استولى عليها أمير الحويزة ، وعهد الى اسماعيل باشا بمنصب بغداد وكان والي مصر))). وعلى الطرف الفارسي تسبب تصرف والي الحويزة (على عكس ما تم الإتفاق عليه مع العثمانيين ) في عزله من قبل الشاه ، ولم يجد والي الحويزة من يحميه من العثمانيين (الذين خدعهم) ومن الفرس (الذين عزلوه) سوى خصمه السابق حاكم مملكة المنتفق الأمير مانع بن شبيب آل شبيب والذي أجبرته شيمته العربية على تناسي ما فعله فرج الله وحمايته بعد أن وصل لمملكة المنتفق يمزقه الخوف من الفرس والعثمانيين، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو , ج: 4 ، ص: 51 ((( عزل فرج الله فطلب الحماية عند مانع))). ويذكر الدكتور حميد بن حمد السعدون في كتابه امارة المنتفق وأثرها في تاريخ العراق و المنطقة الأقليمية 1546م – 1918م ، عند حديثه عن والي الحويزة، ص: 71 ((( فلم يجد ملاذا أفضل له ، الا في ديار المنتفق ، ولم يكن من المتوقع من المنتفق ومانعهم الا تناسي ماحدث سابقا معه ، بعدما جاءهم الرجل لاجئا يمزقه الخوف من العثمانيين والفرس معا))). ويذكر المؤرخ الإنجليزي ستيفن لونكريك في كتابه أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث , عند حديثه عن عزل الشاه لوالي الحويزة فرج الله ، ص: 152 ((( غير أن الشاه عزله بعد ذلك فصالح مانعا ، وجاء بعده في البصرة داود خان))).

استمر الوالي الفارسي داود خان في منصبه كوالي للبصرة مدة سنتين ، ولم يسلم المدينة للعثمانيين ولم تستطيع الدولة العثمانية التقدم للمدينة بسبب حصارها من قبل حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف مانع بن شبيب وهو الحصار الذي اتخذه داود خان وأتباعه كذريعة لعدم تسليم المدينة ولإبقاؤها في يدهم لأطول وقت ممكن. وبدأ صبر الخليفة العثماني ينفذ كون مفاتيح مدينة البصرة سلمت له إلا أنه بقي عاجزا عن إسترجاع المدينة ، لذلك قرر الخليفة التحضير لحملة إقليمية كبيرة لطرد داود خان وأتباعه الفرس من البصرة ، وجمعت جنود الحملة من ولاية بغداد وديار بكر وحلب والموصول وسيواس ، وبلغ تعداد جنود الحملة خمسين ألف مقاتل ، ورافقتها 300 سفينة نهرية. يذكر ابن الغملاس ، في كتابه البصرة ولاتها ومتسلموها ، ص: 75 ((( وفي 1111 وجهت ولاية البصرة مع انضمام ايالة حلب الى علي باشا ، وأمر بمعاونته ولاستخلاص البصرة أن تسير العشائر من ديار بكر والموصول وحلب وسيواس وبغداد ، فجمع زهاء خمسين ألفا من العساكر ، وشحنت قدر ثلثمائة سفينة في نهر الفرات وسيقت الى البصرة ))).

بدأت القوات العثمانية تحركها العسكري بالفتك ببعض القبائل التابعه للعثمانيين في ولاية بغداد والتي بدأ يظهر منها بعض التمرد نتيجة الحالة السيئة التي وصل لها العثمانيين في العراق في تلك الفترة بسبب مملكة المنتفق ، وهذه القسوة أعطت صدى واسع للحملة العثمانية. ووصلت أخبار الحملة وهدفها وماقامت به الى معسكر حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف مانع بن شبيب الذي كان محاصرا للبصرة ، وهو ما أوقع الأمير مانع في حيرة من أمره ووضعه أمام خيارين أحلاهما مر . الخيار الأول كان التصدي للحملة العثمانية ومنعها من المرور في أراضي مملكة المنتفق ولكن هذا الخيار كان سوف يجعله في صف الدولة الصفوية وهي الدولة المعادية له والتي هو في صراع عسكري معها أصلا. والخيار الثاني كان السماح للحملة العثمانية بالمرور في أراضي مملكة المنتفق ودعم الحملة لإستعادة مدينة البصرة من الفرس وهذا الخيار كان سوف يمكنه من أن يسجل موقف سياسي على العثمانيين ولكن هذا الخيار سوف يتسبب أيضا في أن يفقد المدينة التي يحاصرها عسكريا لإستعادتها منذ سنتين .

بالإضافة الى ذلك كان قرار الأمير مانع يجب أن يستند على معطيات أخرى حيث كان لدى الأمير مانع بن شبيب مسؤولية كبيرة تتعلق بشيمته العربية وهي حماية دخيله فرج الله من الفرس والعثمانيين معا ، كما أن الحملة كانت تستهدف خصومه الفرس لذلك لم يكن هنالك سبب للتصدي لها وخسارة جنود دون مبرر واضح. وبناء على ذلك كله أختار الأمير مانع بن شبيب الخيار الثاني وهو دعم الحملة والسماح لها بالمرور بأراضي مملكة المنتفق وأرسل أحد مشايخ القبائل التابعه له لقائد الحملة العثمانية للتفاوض حول السماح لهم بالمرور في أراضيه وتقديمه الدعم لهم. يذكر المؤرخ الإنجليزي ستيفن لونكريك في كتابه أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث , عند حديثه عن وصول الأخبار عن الحملة العثمانية وما ارتكبته في طريقها ضد قبائل ولاية بغداد، ص: 152 ((( وسمع مخيم مانع ، الذي كان قد التجأ اليه فرج الله ، بعظم الجيش الزاحف وقساوته ففزع كل الفزع . وعهد الى شيخ أدنى رتبة بأجراء المفاوضات بالخضوع السلمي ، وانتهى القتال))). وكان حاكم مملكة المنتفق قد طلب من العثمانيين طلبا واحدا فقط مقابل دعمه للحملة في موقف عربي نبيل ، وهذا الطلب هو حماية دخيله والي الحويزة السابق فرج الله والعفو عنه من قبل العثمانيين ، وهو الذي كان مطلوبا للعثمانيين والفرس معا. وقد وافق القائد العثماني على ذلك ، وبذلك أنتهت حقبة من الصراع بين مملكة المنتفق والدولة العثمانية، يذكر الدكتور حميد بن حمد السعدون في كتابه امارة المنتفق وأثرها في تاريخ العراق والمنطقة الأقليمية 1546م – 1918م ، ص: 71 ((( طلب الشيخ مانع لدخيله فرج الله خان – العفو والأمان، فوافق القائد العثماني على هذا الطلب ، كما أن المنتفق وجدتها اختبارا لصدق نيات العثمانيين لهدفهم المتوجهين نحوه))).

وبناء على ما تم تحركت الحملة العثمانية حتى وصلت الى القرنه ، وعندما علم الوالي الفارسي داود خان بضخامة الحملة وبمرورها بسلام بإتجاه البصرة (بعد إتفاق العثمانيين مع حاكم مملكة المنتفق) .. قرر الفرس الهرب من المدينة وبذلك استعادتها الدولة العثمانية بدون قتال. يذكر ابن الغملاس ، في كتابه البصرة ولاتها ومتسلموها ، ص: 75 ((( فلما وصلوا الى القورنة وسمع داود خان بعدتهم وعددهم فر الى الدورق فدخلوا البصرة بلا حرب ، ويسر الله لهم الفتح))). وقد أدى إستعادة البصرة بدون قتال الى ترقية والي بغداد دلتبان مصطفى ليصبح صدرا أعظما، يذكر المؤرخ الإنجليزي ستيفن لونكريك في كتابه أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث , ص: 120 ((( وكان حاكم بغداد الحديث ، دلتبان مصطفى ، صربيا عنيفا مستبدا ، وأميا لكنه مندفعا . فرفع بعد حملته على البصرة وأصبح صدرا أعظم خلفا لحسن كوبرلي العظيم))).

14- إسقاط حاكم مملكة المنتفق لوالي الحويزة الجديد المعين من قبل الشاه حاكم الدولة الصفوية:


كانت موافقة الدولة العثمانية على طلب حاكم مملكة المنتفق الأمير مانع بن شبيب بحماية دخيله (والي الحويزة السابق – فرج الله) قد أدت الى انتهاء حقبة من الصراع العسكري العنيف بين العثمانيين وبين مملكة المنتفق. ولذلك بدأ حاكم مملكة المنتفق بتوجيه قوة مملكة المنتفق العسكرية الى الدولة الصفوية ونفوذها في المنطقة وتحديدا الى والي الحويزة الجديد (هبة الله) المعين من قبل الشاه ، لذلك قرر مانع إكمال معروفه مع والي الحويزة السابق فرج الله وإعادته لولاية الحويزة بالقوة العسكرية.

وكانت الدولة الفارسية قد شجعت هبة الله على المطالبه بمنصب ابن أخيه فرج الله وبعد ذلك عزلت فرج الله .. وكان سبب تشجيعها للتنافس بينهما هو حتى لايتمكن فرج الله من العودة الى منصبه حيث أن انصاره سوف ينقسمون بينه وبين عمه ، كما أن أسرتهم (المشعشعية) سوف تنقسم أيضا ، يذكر د. محمد الزبيدي ، في كتابه امارة المشعشعين – أقدم امارة عربية في عربستان ، عند حديثه عن والي الحويزة فرج الله ، ص: 30 (((نافسه في ذلك عمه السيد هبة الله بن خلف وابن اخيه السيد علي بن السيد عبدالله على الحكم. وقد شجعت الحكومة الصفوية هذا التنافس وبثت الفرقة بينهم))).

لذلك جهز حاكم مملكة المنتفق حملة كبيرة ضد والي الحويزة الجديد ، وأنضم للحملة أنصار الوالي السابق فرج الله ، وبعد معركة فاصلة تمكن حاكم مملكة المنتفق الأمير مانع بن شبيب من إسقاط والي الحويزة الجديد المعين من قبل الدولة الصفوية ، وتمكن من إعادة دخيله فرج الله الى منصبه وبالقوة العسكرية. يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو , ج: 4 ، ص: 51 ((( عزل فرج الله فطلب الحماية عند مانع ثم شن بمساعدة المنتفق حملة ضد عمه هيبة (الله). فتصدى له هيبة الله بواسطة قبائل الحويزة، آل كثير وآل خميس و آل فضول (بني لام) ، ولكن دون جدوى . ودخل فرج الله الحويزة منتصرا))).

لم يستمر فرج الله بمنصبه طويلا حيث ارتكب خطأ سياسي فادح أدى الى إشتعال القتال بينه وبين ابنه عبدالله ، حيث أن والي الحويزة فرج الله قرر بعد عودته للحويزة إرسال ابنه عبدالله للشاه حاكم الدولة الصفوية والتمهيد لإبنه لوراثة ابيه في ولاية الحويزة بموافقة الشاه ، لكن فرج الله غير رأيه وقرر عدم توريث الحكم لإبنه ، وهو ما استغله الشاه ضده ولتصفية الحساب معه ، لذلك دعم الشاه الابن عبدالله ضد ابيه فرج الله ووقعت بينهما معركة كبيرة أنتهت بهزيمة فرج الله وأسره ، وتولى بعدها عبدالله على الحويزة في عام 1114هـ - 1702م. يذكر د. محمد الزبيدي ، في كتابه امارة المشعشعين – أقدم امارة عربية في عربستان ، ص: 30 ((( عندما كان السيد فرج الله واليا أرسل ابنه المولى عبدالله الى اصفهان لمفاوضة الشاه في ولاية الحكم بعده في الحويزة. ولكن المولى فرج الله كان قد عدل عن تعيين ولده بعده فدب النزاع بينهما فتطور الى حرب طاحنة انتهت بانتصار الابن المولى عبدالله وهزيمة السيد فرج الله واسره. وبذلك استتب الحكم لعبدالله))).

15- مملكة المنتفق بعد وفاة حاكمها الأمير الشريف مانع بن شبيب:


توفي حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف مانع بن شبيب آل شبيب عام 1703م وخلفه بالحكم ابنه الأمير مغامس بن مانع بن شبيب آل شبيب (عم الأمير سعدون بن محمد بن مانع الذي عرفت الأسرة بإسمه لاحقا). ولقد ترك الأمير مانع بن شبيب خلفه ذرية صنعت أهم الأحداث في تاريخ العراق ، وحاربت دول كبرى مثل العثمانيين والفرس والإنجليز ، ودخلت في صراع عسكري وسياسي واقتصادي كبير مع العثمانيين. ونذكر هنا بشكل موجز بعض أبرز الأحداث في الفترة التي تبعت وفاة الأمير مانع بن شبيب وتحديدا في القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر ، مع الإشارة في نهاية هذا القسم الى بحث سابق يغطي الفترة مابعد وفاة الأمير مانع بن شبيب وحتى الحرب العالمية الأولى.

تمكن الأمير مغامس بن مانع آل شبيب ( عام 1704م) من إنتزاع مدينة البصرة من العثمانيين وأسس فيها حكما مدنيا وأسس المدرسة المغامسية وطرد الإنجليز من البصرة تجاريا ووقع اتفاقية تجارية مع هولندا ، وقام بإعفاء المسيحيين من الجزية في سابقة تاريخية في العراق ، وفي عام 1708م واجه الدولة العثمانية بأكبر جيش يواجهها تاريخيا في العراق والجزيرة العربية ( 100 ألف مقاتل أكثر من نصفهم من القبائل الخاضعه لحكمه المباشر) ، وانضم لجيشه قوات من قبائل العراق الأخرى التابعة للعثمانيين ، لذلك قدر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي أن ذلك الجيش لو انتصر لإستقل العراق بأكمله منذ ذلك الوقت ، وقد أستخدمت الدولة العثمانية في تلك المعركة المدافع وهو ما رجح كفتها وأدى لإنتصارها. لقد كان وقع الفترة مابين عام 1690م – 1708م شديدا على العثمانيين حيث كادوا يفقدون العراق بأكمله في نهايتها ، وعندما نجح حسن باشا بإسترداد مدينة البصرة عام 1708م قام المؤرخ العثماني يوسف عزيز المولوي بتأليف كتابه (قويم الفرج بعد الشدة) الذي من اسمه يتضح الحال التي وصلها العثمانيين في تلك الفترة وكيف زلزل أبطال قبائل المنتفق العثمانيين وناضلوا نضال الأبطال لدرجة أن حسن باشا وهو من المماليك قيلت فيه القصائد ولقب بأخو فاطمه وهو غير عربي لكن من هول ما رأوه انقلبت لديهم المفاهيم وأصبح يعتزي مثل العرب ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي عند حديثه عن العثمانيين والفترة التي تلت معركة الأمير مغامس (1708م) والنضال البطولي لقبائل المنتفق وشيوخهم آل سعدون الأشراف حكام مملكة المنتفق وكيف أنهم جعلوا الأتراك يخافون حتى من ظل العربي في العراق ،موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين , المجلد الخامس , ص 209 ((( قارعهم العرب بعدها مقارعات وبيلة، رأوا العطب منهم وصاروا يخافون من ظل العربي وخياله ومن عرف أن المنتفق قارعوهم أكثر من مائة وسبعين سنة بعد هذا الحادث علم درجة هذه المطاحنات ومقدار النفوس الهالكة في هذا السبيل بل امتد ذلك أكثر وأكثر))).

بدأ حاكم مملكة المنتفق الأمير محمد بن مانع آل شبيب ( ابن الأمير مانع الذي يدور حوله هذا البحث ووالد الأمير سعدون الذي عرفت الأسرة بإسمه) بسياسية تشجيع الهجرة لمملكة المنتفق وهي السياسية التي أستمرت ذريته بتبنيها تاريخيا ، وأبرز من تبناها هو حفيده الأمير ثويني بن عبدالله بن محمد بن مانع آل شبيب ، وقد قتل الأمير محمد بن مانع آل شبيب في معركة مع الدولة العثمانية عام 1147هـ. وفي عام 1738م قام ابنه الأمير سعدون بن محمد بن مانع آل شبيب ( الذي عرفت الأسرة بإسمه لاحقا) بالثورة ضد العثمانيين ، وطالب الدولة العثمانية بدفع الضريبة عن مدينة البصرة والتي كان العثمانيين يدفعونها سابقا لمملكة المنتفق مقابل ترك البصرة للعثمانيين ، وهدد وقتها بإنتزاع بغداد من العثمانيين في حالة عدم الإستجابه لطلباته ، وتلقب بسلطان العرب ، وقد قتل في معركة مع الدولة العثمانية وأرسل رأسه الى الخليفة العثماني عام 1154هـ ، يذكر العالم والمؤرخ والنسابة النجدي إبراهيم بن صالح بن عيسى ، ولد عام 1854م وتوفي عام 1925م، وهو أحد أبرز مؤرخين نجد والجزيرة العربية ، في كتابه تاريخ بعض الحوادث الواقعه في نجد، ص: 81 ((( وفي سنة 1154 الوقعة المشهورة بين المنتفق وبين عساكر الترك وصارت الهزيمة على المنتفق، وقتل سعدون بن محمد بن مانع آل شبيب رئيس المنتفق))).

وفي عام 1769م طلبت الدولة العثمانية التعاون عسكريا مع بريطانيا العظمى ضد مملكة المنتفق في عهد حاكمها الأمير عبدالله بن محمد بن مانع آل شبيب ( أخو الأمير سعدون بن محمد الذي عرفت الأسره بإسمه ) ، ويشمل الطلب العثماني القيام بضربات عسكرية بإستخدام المدفعية وبسفن بريطانية على مدن وقرى مملكة المنتفق على طول نهر الفرات ، الا أن طلب والي بغداد عمر باشا قوبل بالرفض من قبل المستر مور ( الوكيل البريطاني في البصرة) والذي كانت تربطه علاقة جيدة بحاكم مملكة المنتفق والذي صرح بإحتمال احتلال المنتفق لمدينة البصرة وهو ما يجبره على البقاء على الحياد حفاظا على مصالح دولته ، يذكر ج.ج. لوريمر ، في كتابه دليل الخليج ، القسم التاريخي ، عند حديثه عن طلب والي بغداد ( عام 1769م) مساعدة البريطانيين له ضد حاكم مملكة المنتفق الأمير عبدالله بن محمد ورد الوكيل البريطاني في مدينة البصرة مستر مور ، ج:4 ، ص: 1821 ((( لكن مستر مور ... والذي كانت علاقته بعبدالله شيخ المنتفق علاقة ودية دائما ، والذي كان أيضا ماتزال له أموال متأخره عند متسلم البصرة – راوغ في اجابة هذا المطلب متعللا بأن السفن البريطانية الكبيرة لاتستطيع أن تقوم بعملها في مجرى الفرات . وذكر الوكيل أيضا أنه كان محتملا أن تستولي المنتفق على مدينة البصرة نفسها ... وكان هذا في ذاته سببا آخر يحمله على زيادة التمسك بالحياد))).

وفي الفترة ما بين 1775م – 1779م شاركت مملكة المنتفق في الدفاع عن البصرة ضد الدولة الفارسية، ولكن والي بغداد قرر تسليم المدينة للفرس بعد حصار دام سنة ، وهو ما أدى الى مواجهة عسكرية مباشرة بين الدولة الفارسية ومملكة المنتفق التي وجدت نفسها وحيدة أمام القوات الفارسية. وقد أرسل الفرس حملتين عسكريتين كبيرتين تم إبادتهما بالكامل من قبل قوات مملكة المنتفق بقيادة حكام مملكة المنتفق الأميران ثامر بن سعدون بن محمد آل شبيب وثويني بن عبدالله بن محمد آل شبيب ، وكانت خسائر الدولة الفارسية في الحملتين ما يقارب 24 ألف مقاتل وتلك كانت أكبر خسارة تتلقاها الدولة الفارسية من العرب في العراق ، وقد قتل في المعركة الثانية اخوان حاكم الدولة الفارسية من الأسرة الزندية ، يذكر المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري (المعاصر للأحداث) ، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود ، عند حديثه عن هزيمة الفرس في المعركة الثانية، ص: 93 ((( وتقاسمت بالكيل الدراهم، واوتدوا البيوت بالصوارم، ووفدت الشعراء على ثويني وثامر، فأجيزوا عن القصائد بالجواهر، واستبشر أهل بغداد والبصرة، بعظيم هذه الدولة والنصرة، وقتل محمد علي خان وسر بقتله أهل الايمان، وممن حضر ذلك اليوم وشكر مشهده من اولئك القوم حمود بن ثامر وهو شب فاوقد الوطيس بصارمه وشب، ومحمد بن عبدالعزيز ابن مغامس، فكر كرة الأسد الدماحس وشبان وشيب من المنتفق والشبيب))).

وفي عام 1787م قام الأمير ثويني بن عبدالله بن محمد بن مانع آل شبيب (ابن أخ الأمير سعدون بن محمد الذي عرفت الأسرة بإسمه لاحقا) بأول إعلان لإستقلال العراق بأكمله وذلك بعد جمعه لمعظم عرب العراق في وجه العثمانيين كما تم شرحه في القسم العاشر من هذا البحث (بعنوان: 10.2- أبرز أعمال حكام مملكة المنتفق في البصرة في فترة لاحقة - عام 1787م) ، يذكر المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري (المعاصر للأحداث)، عند حديثه عن الأمير ثويني بن عبد الله، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود، القسم المقتطع من خزانة التواريخ النجدية، مختصر الشيخ أمين الحلواني، ص: 281 (((فوصل البصرة، فأخذه الغرور وحدثته نفسه أن يملك العراق أجمع، فحاصر البصرة حتى ملكها))). ثم قام الأمير ثويني بن عبدالله بالسنة التالية بتوحيد العرب والأكراد في توجه موحد لإستقلال العراق بأكمله ، مضحيا بحكمه مرتين في سبيل ما سعى اليه وهو ما شكل سابقتين في تاريخ العراق ، وعلى الرغم من كونه كان يستطيع أن يبقي الوضع على ماهو عليه من حكمه لنصف العراق وتقاسمه للنفوذ على مدينة البصرة مع العثمانيين ، الا انه أختار الطريق الأصعب وصناعة التاريخ بحدث لم يسبقه أحد اليه ولم يكرره أحد بعده. ولقد كان إنشقاق الأمير حمود بن ثامر قد فوت على عمه الأمير ثويني فرصة النجاح بشكل كامل في الإستقلال بالعراق وطرد الأتراك منه.

وفي عام 1813م تمكن الأمير حمود بن ثامر بن سعدون بن محمد بن مانع آل شبيب من فرض نفوذه على كامل العراق في الفترة ما بين 1813م و1817م ، وذلك بعد هزيمته لوالي بغداد ومن ثم أسره للوالي ونائبه وإعدامهم في عاصمة مملكة المنتفق. وقد بدأت الأحداث عندما استجار به أحد المماليك ( عرف بسعيد باشا لاحقا ) واستجار به أيضا قاسم بيك ، ورفض الأمير حمود بن ثامر تسليمهما لوالي بغداد ، لذلك جهز والي بغداد حملة عسكرية كبيرة ضد مملكة المنتفق ، يذكر المؤرخ العثماني سليمان فائق بك (وهو عدو للمنتفق و أحد كبار الموظفين العثمانيين في العراق في القرن التاسع عشر ) ، في كتابه عشائر المنتفق، عند حديثه عن والي بغداد ، ص:31 (((ولهذا أمر بتجهيز فيلق من الجنود المعلمه (المدربة) وتمكن من جمع مايتجاوز ثلاثين ألفا من الجنود ، وأكمل مهماتهم وسيرهم ، ومعهم أضخم المدافع فتوجهوا عن طريق الحلة والسماوة))). ثم أرسل والي بغداد أمرا للقبائل العربية التابعة للعثمانيين في ولاية بغداد بمساندة الجيش العثماني ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر (المعاصر لأحداث) ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، ج:1 ، عند حديثه عن والي بغداد عبدالله باشا وطلبه لسعيد وقاسم بيك ثم جمعه للقوات العثمانية والقبائل العربية التابعه له، حوداث سنة 1228هـ ، ص: 336 ((( فأرسل عبدالله المذكور الى حمود وطلب منه أن يبعث بهم اليه ، فأبى ذلك ومنعهم ، ثم ان عبدالله جمع العساكر من الروم وعقيل ، ومن بوادي شمر وغيرهم من أهل العراق ورئيس البوادي بنية بن قرينيس الجربا ، ثم جمع حمود بن ثامر جميع المنتفق وجميع أتباعه ))).وقد أنتهت المعركة (معركة غليوين) بهزيمة كبيرة جدا للعثمانيين فقد تشتت الجيش العثماني و تم أسر والي بغداد ونائبه وشيخ عقيل ، بالإضافة الى مقتل شيخ ربيعة وشيخ الخزاعل ومقدم القشعم ، وقد هرب مشايخ القبائل الأخرى الموالين للعثمانيين وتركوا جنودهم في ساحة القتال.

لقد كانت معركة غليوين واحدة من أعظم الإنكسارات العثمانية أمام العرب تاريخيا ان لم يكن أعظمها على الإطلاق ، حيث تم إقتياد والي بغداد ونائبه مكبلين بالسلاسل الى السجن في عاصمة مملكة المنتفق (مدينة سوق الشيوخ) وبعد سجنهم توفي الأمير برغش بن حمود بن ثامر السعدون والذي كان مصابا في المعركة ، لذلك ذهب عمه الأمير راشد بن ثامر السعدون الى السجن وقتل والي بغداد ونائبه خنقا بالحبال وذلك إنتقاما لوفاة ابن أخيه ، وبعد دفنهم رجع الأمير راشد بن ثامر السعدون وأخرجهم وعلق رؤوسهم أمام الناس. ثم سار حاكم مملكة المنتفق الأمير حمود بن ثامر السعدون الى بغداد واحتلها عسكريا ، وقام بفرض تعيين دخيله سعيد كوالي لها ( كان عمر سعيد وقتها 20 سنة ) وبعد فترة وصل فرمان عثماني بالقبول بسعيد كوالي لبغداد وهي أكبر إهانة تلقتها الدولة العثمانية في العراق من العرب ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو, ج3 , ص: 285 ((( فدخل حمود الى بغداد مع سعيد الذي كان في حمايته , وكان هذا نصرا لآل سعدون لا مثيل له . لم يكن سعيد مؤهلا لمنصبه , فلم يكن عمره سوى واحد وعشرين عاما ولم تكن لديه أي خبره في ادارة شؤون الدولة ))).

وقد فرض آل سعدون نفوذهم على كامل العراق منذ تعيينهم لسعيد باشا (عام 1813م) وحتى إعدام سعيد باشا من قبل العثمانيين (عام 1817م) ، وهو ما لم تتمكن أي أسرة أو قبيلة أو امارة في العراق من فعله طوال الحقبة العثمانية ، يذكر فرض الأمير حمود بن ثامر لنفوذه على كامل العراق المؤرخ حمد بن لعبون (المعاصر للأحداث) ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، ولد قبل عام 1768م وتوفي 1844م، كتاب تاريخ حمد بن محمد بن لعبون ، ص:660 ((( وجرح برغش بن حمود . ثم : أنه مات وقتلوا عبدالله باشا وسار حمود وجه اسعد لبغداد , وملك العراق ورجع ))). ويذكر كاظم فنجان الحمامي ، في مقاله : بين الناصريتين .. ناصرية العرب وناصرية العجم ، عند حديثه عن معركة غليوين (((واستمرت المعركة لعدة أيام, انتهت بالنصر المؤزر لصالح المنتفك, الذين بسطوا نفوذهم السياسي والقومي على العراق كله, من شماله إلى جنوبه))).

لمزيد من التفاصيل عن الأحداث في الفترة التالية لوفاة الأمير مانع بن شبيب يمكن الرجوع للبحث التالي (آل سعدون الأشراف وأول إعلان تاريخي ومحاولة لإستقلال العراق بأكمله عام 1787م) وهو البحث الذي يستند الى أكثر من سبعين مرجع تاريخي (الكثير منها معاصر للأحداث) ،ويغطي الأحداث بشكل موجز منذ العام 1668م وحتى العام 1775م ، ثم يغطي الأحداث بشكل مفصل منذ العام 1775م وحتى العام 1797م ، وأخيرا يغطي الأحداث بشكل موجز من عام 1797م وحتى نهاية الحرب العالمية الأولى عام 1918م ، الرابط التالي:

http://www.alfothool.com/vb/showthread.php?t=34802

16- ملحق1:البصرة وماتدفعه الدولة العثمانية تاريخيا لحكام مملكة المنتفق في مقابل عدم المطالبة بها:


في هذا الملحق نتحدث عن بعض الإشارات التاريخية لما كانت الدولة العثمانية تدفعه لحكام مملكة المنتفق في مقابل عدم المطالبة في البصرة والذي أصبح يدفع لاحقا في مقابل حماية المدينة ، كانت أولى الإشارات التاريخية في عهد الأمير مانع بن شبيب آل شبيب كما ذكرنا في الفصل التاسع من هذا البحث (بعنوان: مخاطبة الخليفة العثماني لحاكم مملكة المنتفق والدفع ماليا له مقابل ترك البصرة بعد هزيمة القوات العثمانية وإهانتها) . ثم وردت إشارة أيضا لما كانت تدفعه الدولة العثمانية في عام 1738 م عندما قام حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف سعدون بن محمد بن مانع آل شبيب ( الذي عرفت الأسرة بإسمه لاحقا) بإسقاط حكم ولد عمه الأمير منيخر بن ناصر بن صقر آل شبيب ومن ثم قام بالسيطرة على كامل مناطق مملكة المنتفق من الحلة وحتى الخليج العربي وقام بإرسال جيش لمحاصرة مدينة الحلة وجيش أخر لمحاصرة البصرة، وطالب الدولة العثمانية بدفع الضريبة عن مدينة البصرة والتي كان العثمانيين يدفعونها سابقا لمملكة المنتفق مقابل ترك البصرة للعثمانيين والتي يبدو أن ولد عمه الأمير منيخر بن ناصر آل شبيب (حاكم مملكة المنتفق السابق ومنافسه على الحكم) لم يستطع المطالبه بها وذلك لضعفه وموالته للعثمانيين، وقد هدد الأمير سعدون وقتها بإنتزاع بغداد من العثمانيين في حالة عدم الإستجابه لطلباته، وتلقب بسلطان العرب، يذكر د. علي الوردي، في كتابه لمحات إجتماعية من تاريخ العراق الحديث، ج:1، ص: 116 (((في عام 1738 م ثار الأمير سعدون شيخ المنتفق ومعه عشرة الآف مقاتل، ونزل موضع بين النجف والكوفة وأخذ يتحكم في الناس قائلا : (أنا السلطان في هذه الديار. وماشأن أحمد باشا وما السلطان ؟ اني ان شاء الله آخذ بغداد واحكم فيها بالعدل). ثم أرسل قوة لمحاصرة الحلة، وأخرى لمحاصرة البصرة وقال عن البصرة أنها ملكهم وانهم كانوا يأخذون منها الأتاوة كل سنة وليس للروم فيها – أي الترك – أي حق فيها. استمر سعدون في حركته زهاء أربع سنوات واستطاع أن يسيطر على مناطق واسعة من الفرات الأسفل والأوسط، وفرض الأتاوة على المسافرين فلم يسلم منه حتى وكلاء الشركات الأنكليزية والفرنسية في البصرة))).

وفي الفترة ما بعد سقوط دولة بني خالد (1208 هـ - 1794 م) أصبحت البصرة مهددة بغزوات الدولة السعودية الأولى ولذلك بدأت الدولة العثمانية تطلب من مملكة المنتفق حماية مدينة البصرة مقابل ما تدفعه لها، يذكر الرحالة دوبريه (زار العراق ما بين 1807 م – 1809 م) عند حديثه عن القبائل في العراق، كتاب رحلة دوبريه إلى العراق (1807-1809)، ص:120 (((ان المنتفكيين دون غيرهم وهم أقوياء وموضع سكناهم بالقرب من البصرة: هؤلاء لايؤدون ضريبة سنوية، بل يستلمون مبلغا مقداره ثمانية وعشرون ألف قرش لقاء قيامهم بحماية هذه المدينة من غزوات الوهابيين))). ولم تكن الدولة العثمانية هي الوحيدة التي تدفع مقابل حماية مدينة البصرة بل أن سكان البصرة كانوا يدفعون نصف محصولهم لمملكة المنتفق مقابل الحصول على الحماية، يذكر الرحالة أبي طالب خان (زار العراق في نهاية القرن الثامن عشر وبداية التاسع عشر)، كتاب رحلة أبي طالب خان إلى العراق وأوروبة، ص: 285 (((وسكان البصرة قلقون دائما من العرب الجوالين الرحالين وقد التزموا أن يؤدوا نصف غلات أرضهم إلى قبيلة (المنتفك) التي وعدت أن تدافع عنهم أعداءهم))).

17- ملحق2: نبذه موجزه عن أسرة السعدون ومملكة المنتفق واتحاد قبائل المنتفق:


تعتبر أسرة السعدون (التي كانت تعرف بـ آل شبيب سابقا) أبرز أسرة عربية ظهرت بالعراق في الأربع قرون السابقة للحرب العالمية الأولى ، فقد أسست دولة عربية في العراق وهي مملكة المنتفق والمشهوره لدى العديد من الكتاب المتأخرين بإمارة المنتفق مابين 1530م – 1918م ( التي كانت تشمل كل الجنوب العراقي – باستثناء مدينة البصرة التي تبادلت السيطرة عليها مملكة المنتفق و العثمانيين - ومناطق واسعه من وسط العراق ، وكانت تشمل في عصرها الذهبي (مابين 1668م – 1853م) مايقارب نصف العراق وكل البادية العراقية الممتدة من شمال الأحساء وعلى حدود نجد الشمالية وصولا الى شمال السماوة) ، يذكر المؤرخ والنسابة يونس الشيخ إبراهيم السامرائي ، في كتابه القبائل والبيوتات الهاشمية في العراق , مناطق حكم آل سعدون (مملكة المنتفق) وهي لواء السماوة ولواء المنتفق (قلب مملكة المنتفق تاريخيا وماتبقى منه يسمى محافظة ذي قار حاليا) وأبو الخصيب ولواء العمارة ولواء البصرة ، ص: 177 (((آل السعدون أصلهم من الحجاز فقد هاجروا إلى العراق في أوائل القرن العاشر وحكموا المنتفق، وهم ينتسبون إلى جدهم الأعلى سعدون بن الشريف محمد وينتهي نسبهم إلى الأمام علي زين العابدين ابن الحسين بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-....كانت لهم امارة انتشرت رقعتها ونفوذها حتى اصطدمت هي والنفوذ العثماني مرات عديدة... ومن أطرف مايذكر عن آل السعدون أنهم أول من فكر في تأسيس حكومة عربية تعيد مجد العرب, ولآل السعدون فضل في رد الفرس عن العراق أكثر من مرة, كما حارب آل السعدون الأحتلال الإنكليزي بقيادة أعجمي السعدون.... وآل السعدون كانت لهم أمارة كبيرة تضم السماوة والمنتفق وأبو الخصيب والعمارة والبصرة))). يذكر المؤرخ جعفر الخياط ، وذلك عند حديثه عن تفرد أسرة السعدون الأشراف في تاريخ العراق وتحكمها في مقدرات العراق ومصائره لعدة قرون ، في كتابه صور من تاريخ العراق في العصور المظلمة، ص: 29 (((لم تظهر على مسرح الحوادث في تاريخ العراق الحديث أسرة نبيلة تولت الامارة، وتحكمت في مقدرات العراق ومصائره دهرا طويلا من الزمن مثل أسره السعدون المعروفة.فقد بسطت نفوذها على القسم الأعظم من العراق الجنوبي مدة تناهز الأربع مئة سنة، وتولى شيخة قبائل المنتفك وإمارتها ما يزيد على العشرين شيخا من أبنائها البارزين. وقد كانت هذه الأسرة العربية الكريمة أول من بعث الفكرة العربية من مرقدها في العراق الحديث ،وحمل راية النضال من أجلها بالدم والحديد في وجه الأتراك والايرانيين، بعد أن دثرت وانطمست مآثرها على أيدي المغول الأثيمة. والحق أن تاريخ العثمانيين في العراق ،خلال الحقبة الطويلة التي حكموا فيها، كان تاريخا حافلا بالغزوات والحملات التي كان يجردها الباشوات المتعاقبون في بغداد لتأديب الثائرين من آل سعدون في الجنوب والمتمردين من آل بابان في الشمال. وان دل هذا على شي فانه يدل على أن العنصرين الكبيرين الذين يتألف منهما العراق في يومنا هذا كانا يقفان أبدا ودوما في وجه الحكم الأجنبي والتسلط الغريب. وقد كان العثمانيون يشعرون بثقل العبء الملقي على عاتقهم في هذا الشان، ولذلك كان تصرفاتهم وخططهم التي رسمت خلال مدة حكمهم كلها ،ولا سيما في عهودهم الأخيرة ،تستهدف ضعضعة الأسرة السعدونية القوية والقضاء عليها بالحركات العسكرية والتدابير الإدارية ،والعمل على انقسامها فيما بينها))).

وهذا رسم يحاكي علم مملكة المنتفق والمسمى – وارد:



يذكر هذا العلم وأيضا إمتداد مملكة المنتفق في عصرها الذهبي ( 1668م - 1853م ) وأراضيها النهرية والبرية المؤرخ الشيخ علي الشرقي وذلك في هامش كتاب تاريخ المنتفق لسليمان فائق (أحد كبار موظفين الدولة العثمانية بالقرن التاسع عشر) ، ص: 9 (((و أما النهرية فكانت تشمل كل شط العرب مصعدة في الفرات الى ماوراء "السماوة" عند "سدرة الأعاجيب" ومادة في دجلة الى ماوراء "العمارة" ... أما الجهة البرية فكانت كما ذكرنا كل بادية العراق بحدودها الحالية محروسة بنفوذ آل سعدون ، ومن قبلهم بنفوذ أجدادهم آل شبيب ، ويرفرف عليها العلم العراقي المعروف باسم "وارد"))).

وقد تقاسمت أسرة السعدون النفوذ بالعراق مع الدولة العثمانية (في جنوبه وأجزاء من وسطه لأسرة السعدون وفي شماله وأجزاء من وسطه للدولة العثمانية بالإضافة للصراع المستمر حول مدينة البصرة بين الطرفين) مما أدى إلى الإصطدام بين الطرفين في الكثير من المعارك .. حيث اتبعت الدولة العثمانية العديد من السياسات للقضاء على مملكة المنتفق وحكامها آل سعدون الأشراف (آل شبيب سابقا) ، يذكر المؤرخ الشيخ علي الشرقي ، في كتابه ذكرى السعدون، ص: 23 (((وموقف آل سعدون في نصف العراق وفي كل بادية العراق جلب اهتمام الباب العالي وحول اتجاهه إلى هدم تلك الامارة فكانت مهمة القواد والولاة الاتراك ضعضعة الامارة السعدونية ومناوئتها. كل بدوره وحسب دائرة اختصاصه هذا بالحركات العسكرية وهذا بالتحفظات السياسية وهذا بالشروط المالية وهذا بإقتطاع اطراف بلاد الامارة وإنترائها من آل سعدون))). يذكر مملكة المنتفق و قبائلها والأسرة الحاكمه فيها (أسرة آل سعدون الأشراف والتي كانت تعرف سابقا بـ آل شبيب) ، المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ، ويقارن أهمية اتحاد قبائل المنتفق (اكبر اتحاد للقبائل والعشائر شهده العراق تحت مشيخة شيخ مشائخ فعلي) بالقبائل الأخرى في العراق كما يقارن أهمية أسرة المشيخة فيه (أسرة آل سعدون الأشراف والتي كانت تعرف سابقا بـ آل شبيب) بأسر المشيخة الأخرى بالعراق ، وذلك عند بداية حديثه في قسم المنتفق من نفس الكتاب، ج:3 ، ص:590 (((مامن قبيلة عراقية تضاهي المنتفق في الأهمية ولا عائلة شيوخ تضاهي عائلة سعدون - شبيب التي أسست في أواخر القرن السابع عشر مملكة المنتفق على الفرات الأدنى والتي جلبت في الحرب العالمية الأولى - عندما كانت تلك المملكة قد سقطت - لاسم المنتفق الفخر والاعتزاز مرة أخرى))). ويذكر المؤرخ الإنجليزي ستيفن هيمسلي لونكريك ، في كتابه (أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث) ، اتساع مملكة المنتفق وحدودها (الشمالية والشرقية) وذلك عن حديثه عن حاكم مملكة المنتفق (مابين عام 1668م – 1703م) الأمير الشريف مانع بن شبيب آل شبيب وعن نفوذه ومناطق حكمه بالعراق وخارجه ويقارن هذا النفوذ بنفوذ الحكام الأتراك في بغداد وشمال العراق ويبين كيف أن الأمير مانع يفوقهم نفوذا ، ص: 150 (((ولم يدر في خلد أي باشا غريب أن يأمل نفوذا شاملا مثل نفوذه. فقد امتلك قسما من عربستان، وكان مسيطرا على ما بين دجلة وعربستان من سهول وأهوار، وأطاعته بدرة وجصان ومندلي، وقد غطت سطوته يومئذ على سطوة الحويزة، اما على الفرات فقد استولى على العرجة والسماوة والرماحية))). علما بأن الأمير مانع بن شبيب حاكم مملكة المنتفق كان قد انتزع مدينة البصرة من العثمانيين ثلاث مرات أخرها لمدة تقارب الأربع سنوات ولم تستطع الدولة العثمانية أن تستردها منه الا بعد تعاونها مع الدولة الصفوية ضده في سابقه تاريخيه بين الدولتين العظميين العثمانية والصفوية ، واللتين اضطرتا للتعاون ضده وذلك للحد من نفوذه. يذكر المؤرخ حسين خلف الشيخ خزعل ، في كتابه تاريخ الجزيرة العربية ، حدود مملكة المنتفق (الجنوبية والغربية) في نفس الفترة التي ذكرها ستيفن لونكريك ، , ج1 ، ص: 39 (((وماكاد يحل القرن الثاني عشر حتى انتشرت الفوضى في نجد وعم الانقسام , وتوسعت الفرقة , وتفرقت الكلمة , وتعددت الامارة والمشيخات , فكانت الأمارة في العيينة لآل معمر , وفي الدرعية لآل سعود , وفي الرياض لآل دواس , وفي الأحساء لبني خالد , وفي نجران لآل هزال , وفي حائل لآل علي , وفي القصيم لآل حجيلان , وفي حدود نجد الشمالية وجنوب العراق لآل شبيب))). وهذه صورة توضح حدود مملكة المنتفق في تلك الفترة مع علم مملكة المنتفق:



ومن الناحية الإقتصادية ، فقد كانت أسرة السعدون تسيطر على الحركة الملاحية التجارية في أنهار دجلة والفرات في مناطق حكمهم في جنوب ووسط العراق (مملكة المنتفق)، يتحدث المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ، عن إقتصاد مملكة المنتفق , ج3, ص: 624 (((يضاف إلى ذلك عائدات ضخمة من الجمارك. كان يوجد على الفرات في القرن الثامن عشر نقطة جمركية مقابل نهر عنتر وأخرى في عرجة. وكانت هذه تابعة لفرع الصالح من عائلة الشيوخ. وفي القرن التاسع عشر أصبحت جمارك الفرات تجبى في سوق الشيوخ، وكانت تؤجر إلى جانب ضرائب أخرى في الناحية بمبلغ 50000 شامي. وكان جمرك دجلة، الذي كان مركزه موجودا في زكية فوق القرنة، يؤجر بمبلغ 12000 شامي، وكانت الضريبة العقارية في ناحية زكية تجلب مبلغا مماثلا))).

وأسست أسرة السعدون تاريخيا عدة مدن تجارية وكانت تتحكم بها في إقتصاد القبائل والحواضر في المنطقة. وكانت أول مدينة أسست لهدف تجاري في المنطقة في القرون المتأخرة هي مدينة سوق الشيوخ التي أسسها حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف ثويني بن عبدالله بن محمد بن مانع آل شبيب ، وهي توضح التطور في الفكر الأقتصادي والسياسي الذي وصل له حكام مملكة المنتفق في تلك الفترة ، بالإضافة الى توضيح امتلاكهم للقدرة السياسية والإقتصادية لإنجاح مثل تلك المدينة ، يذكر المؤرخ والصحفي سليمان بن صالح الدخيل النجدي ، في بحثه الخاص بمدينة سوق الشيوخ ، المنشور في مجلة لغة العرب عام 1912م (قبل الحرب العالمية الأولى) ، وذلك عند حديثه عن مؤسس مدينة سوق الشيوخ (((هو الشيخ ثويني المحمد جد الأسرة السعدونية. وذلك أنه لما كان حاكما كبيرا في العراق، يمتد حكمه من الغراف والبصرة إلى ماقارب الكويت من جهة، ومن الجزيرة إلى ماحواليها من جهة أخرى أصبح نفوذا عظيما على كثير من عشائر العراق ونجد وقبائلهما. وكان معه في غزواته وفتوحاته سوق متنقلة وهي عبارة خيام تجار وباعة... ثم أن أعراب ثويني رغبوا في أن تقام سوق دائمة قريبة من الفرات في الصقع الذي ترى فيه اليوم سوق الشيوخ لطيب مائه وحسن هوائه وكثرة مرعاه فاذن بذلك))). وقد كانت أحد أبرز مدن العراق منذ تأسيسها من قبل الأمير ثويني بن عبدالله عام 1780م وحتى عام 1831م عندما ضربها الطاعون الذي اجتاح المنطقة بأكملها ولم يبقي من سكان المدينة وقتها سوى 4 آلاف نسمة ، وقد اتاحت هذه المدينة للأمير ثويني بن عبدالله ولأسرته (أسرة السعدون) التحكم في تجارة القبائل في مناطق حكمهم (جنوب ووسط العراق) وخارج مناطق حكمهم أيضا . يذكر مدينة سوق الشيوخ ، أ.د. عماد محمد العتيقي ، وذلك عند حديثه عن الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله بن سيف بن أحمد بن محمد العتيقي (في عام 1820) ، مقالة عبدالرحمن بن عبدالله بن سيف العتيقي – صاحب الختمة العتيقية (((كان المترجم كما ذكر أعلاه يمتهن التجارة ويدير نشاط أسرته من الكويت. وكان أخوه سيف يدير فرع الشركة في الهند وابن أخيهما عبدالعزيز بن منصور يدير فرع الشركة في سوق الشيوخ وهي مركز تجارة أهل الكويت ونجد في العراق))). ويذكر أهمية مدينة سوق الشيوخ في تلك الفترة التاريخية ، عبدالكريم محمد علي ، في كتابه تاريخ مدينة سوق الشيوخ , ص: 28 ((( ولما كانت المدينة على حافة نجد الشرقية , فقد اصبح سوقها مركزا تجاريا وتموينيا لعرب نجد. فأزدهرت التجارة والتبادل والمقايضة في هذه المدينة ازدهارا عظيما لم تبلغه اية مدينة اخرى في جنوب العراق او وسطه , وبنيت في وسط المدينة الأسواق المسقفة الطويلة المزدحمة بمئات الدكاكين السلعية والحرفية , كما شيدت مباني الخزن والتوزيع الكبيرة الواسعة ( الخانات التجارية) في وسط الأسواق وأطرافها , التي تمتلأ بالخزين من البضائع المستوردة من اسواق البصرة , ومن الهند وتركيا والشام والخليج العربي وايران ))). يذكر الرحالة الفارسي محمد آغا ، عاصمة مملكة المنتفق مدينة سوق الشيوخ قبل العام 1820م ، حيث مر بها ووصف من كان يقيم فيها وحولها وهم عشرون ألف بيت معظمهم من قبائل اتحاد المنتفق ، يذكر السيد محمد آغا الفارسي ، كتاب رحلة المنشي البغدادي الى العراق ، رحلته عام 1820م ، ص: 146 (((ومن السماوة الى سوق الشيوخ ثمانية عشر فرسخا وفي هذه البلدة عشائر المنتفق، يسكنون السوق وفي أنحائه، وعدتهم عشرون ألف بيت وهم في جانبي الفرات ، ومذهبهم مذهب أحمد بن حنبل ، وبعضهم شيعة ))). ثم استمرت أسرة السعدون الأشراف بتأسيس مثل هذه المدن في القرن التاسع عشر ، ومنها : مدينة الناصرية التي أسسها حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها الأمير ناصر السعدون، يذكر الكسندر أداموف القنصل الروسي في البصرة في نهاية القرن التاسع عشر، في كتابة ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها، ص: 54 (((لقد تزامن ازدهار الناصرية مع تضاؤل المركز التجاري السابق سوق الشيوخ التي التي ظل البدو حتى ذلك الوقت يتقاطرون عليها لا من مناطق العراق العربي المجاورة فحسب وانما من البلدان البعيدة أيضا كالكويت ونجد وصحراء شمال شبه جزيرة العرب))) ، ومدينة الناصرية هي رابع أكبر مدينة في العراق في العصر الحديث، وأسسها الأمير ناصر السعدون عام 1869م ، وبالإضافة إلى كون مؤسسها الأمير ناصر السعدون حاكم لمملكة المنتفق فقد كان والي من قبل الدولة العثمانية على البصرة والأحساء ما بين 1874م - 1876م ، وقد بنيت على طراز حديث لم تعهده مدن العراق في ذلك الوقت خططه المهندس البلجيكي جولس تيلي. وهي من مفاخر آل سعدون التاريخية، يتحدث عن تأسيسها الكسندر أداموف القنصل الروسي في البصرة في نهاية القرن التاسع عشر، في كتابة ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها، ص: 54 (((وبعد أن بنى ناصر باشا في المكان الذي أختاره قلعة واسعة وحصينة وألحق بها ثكنات بدأ بتشييد مدينة جديدة حولها سميت (الناصرية) نسبة لمؤسسها. ان تخطيط المدينة بل وحتى بناء الكثير من عمارتها كما تشير الشائعات، هو من عمل مهندس بلجيكي وذلك ماجعل الناصرية بسوقها الواسع وبيوتها وشوارعها العريضة أحسن من أي مدينة أخرى على الفرات فهي تعطي للأوروبي أجود انطباع))). وأيضا مدينة الخميسية التي أسسها عبد الله بن خميس التميمي بإيعاز وحماية من الأمير فالح السعدون وذلك لتكون بديلا لسوق الشيوخ بعد غرقها عندما فاضت مياه نهر الفرات وأحاطت بمدينة سوق الشيوخ وعطلت تجارتها. يذكر حمد بن عبد الله بن حمد آل خميس أن حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها الأمير ناصر السعدون (والد الأمير فالح) هو الذي استدعى عبد الله بن خميس للعراق واعطاه الحق بإستلام روبية واحدة على كل من يبيع ويشتري في منطقة أم البطوش وذلك قبل تأسيس الخميسية ، وذلك في كتابه امارة في بلاد الرافدين – الخميسية، ص: 109 (((حتى يقال أن ناصر باشا السعدون" ناصر الأشقر" هو الذي استدعى عبد الله بن خميس من نجد واستقبله عند أول قدومه وأسكنه في منطقة "أم البطوش" جنوب العراق وأعطاه الحق باستلام روبية واحدة عن كل من يبيع أو يشتري قبل تأسيس الخميسية))). يذكر عبد الكريم محمد علي ، في كتابه تاريخ مدينة سوق الشيوخ، ص: 64 (((وقد كانت منازل آل شبيب، ومن بعدهم آل سعدون، موزعة في مناطق نفوذهم، من الغراف وحتى البصرة، ولكن المركز الرئيس لهم هو الحافة النجدية من حدود العراق، والممتدة على الضفة الغربية لنهر الفرات، قرب مدينتهم سوق الشيوخ التي هي عاصمتهم وسوقهم التي اخذت اسمها عنهم، وقربها مساكنهم في قرية السعدونية، وفي مركزهم الحربي في قرية الخميسية – التي بناها لهم مأمورهم الأمين بن خميس -))). ويضاف للحديث عن الناحية الإقتصادية الحديث عن الضرائب المفروضة على المنتجات الزراعية والحيوانية والتي يطول ذكرها.

وأسرة آل سعدون ترجع في نسبها الى الأشراف وتحديدا الى آل مهنا أمراء المدينة المنورة لأكثر من خمس قرون ، وقد كانت أسرة السعدون تعرف بآل شبيب نسبة إلى الأمير شبيب بن الشريف حسن وقد تغير الاسم إلى آل سعدون في منتصف القرن الثالث عشر الهجري وهو نسبة إلى الأمير سعدون بن محمد الذي قتلته الدولة العثمانية عام 1742م ونسبه هو :

الأمير سعدون (حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها والذي سميت الأسرة به) بن الأمير محمد (حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها) بن الأمير مانع الثاني (حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها) بن الأمير شبيب الثاني(حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها) بن الأمير مانع الصخا (حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها) بن الأمير شبيب الأول (حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها) بن الشريف حسن (مؤسس مملكة المنتفق واتحاد قبائل المنتفق) بن الشريف مانع بن مالك بن سعدون الأول بن إبراهيم (أحمر العينين) بن الأمير كبش (امير المدينة المنورة) بن الأمير منصور (امير المدينة المنورة) بن الأمير جماز (أمير المدينة المنورة + أمير مكة المكرمة 687هـ + أول من سك عمله باسمه في مكة من أمراء المدينة المنورة) بن الأمير شيحة (أمير المدينة المنورة+أمير مكة المكرمة عام 637هـ) بن الأمير هاشم (أمير المدينة المنورة) بن الأمير قاسم (أبو فليته) (امير المدينة المنورة+ امير مكة عام 571هـ) بن الأمير مهنا الأعرج (أمير المدينة المنورة) بن الأمير الحسين (شهاب الدين) (امير المدينة المنورة) بن الأمير مهنا الأكبر (أبو عمارة) (أمير المدينة المنورة) بن الأمير داود (أبو هاشم) (امير المدينة المنورة) بن الأمير القاسم (امير المدينة المنورة) بن الأمير عبيد الله (امير المدينة المنورة+ امير العقيق) بن طاهر بن يحي النسابة بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله (الأعرج) بن الحسين (الأصغر) بن علي (زين العابدين) بن الحسين - ‎رضي الله عنه - ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه‎.

حيث يتفق جميع المؤرخين الذين تحدثوا تاريخيا عن نسب أسرة آل سعدون على كونها ترجع في نسبها للأشراف، سواء كان هؤلاء المؤرخين عثمانيين أو عرب أو أجانب، هذا بالإضافة إلى الشهرة التاريخية للأسرة بهذا النسب بين القبائل في العراق والجزيرة العربية والشام، وأيضا الموروث الشعبي المتفق عليه لدى كافة القبائل والعشائر التي حكموها. ونذكر هنا بعض النصوص التاريخية التي تتحدث عن نسب الأسرة في القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر لمؤرخين مختلفين:

في القرن الثامن عشر ذكر المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري ، نسب حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها الأمير ثويني بن عبد الله (وهو معاصر لعثمان بن سند)، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود , القسم المقتطع من خزانة التواريخ النجدية ، مختصر الشيخ أمين الحلواني ، ص: 280 (((وثويني هذا هو ابن عبد الله بن محمد بن مانع القرشي الهاشمي العلوي الشبيبي تولى مشيخة المنتفق كما تولاها أبوه وجده أجواد العرب وشجعانها))). حيث عرف تسلسل نسبه بــ القرشي (نسبة لقبيلة قريش) والهاشمي (نسبه لبني هاشم) والعلوي (نسبه لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه والذي يعرف نسله بالأشراف) والشبيبي (نسبه إلى آل شبيب الأسرة الحاكمه في نصف العراق الأسفل - مملكة المنتفق والتي كانت تضم معظم مناطق جنوب ووسط العراق)، والأمير ثويني بن عبد الله المذكور هو ابن أخ الأمير سعدون بن محمد الذي عرفت بإسمه لاحقا الأسرة الحاكمه في مملكة المنتفق. وأيضا في نهاية القرن الثامن عشر ذكر نسب الأسرة عالم الأحساء الشهير الشيخ محمد بن فيروز التميمي المتوفى سنة 1216هـ (1801م) وذلك في قصيدته التي قالها في رثاء حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها الأمير ثويني بن عبد الله وذلك بعد اغتيال الأمير ثويني عام 1797م.. ونذكر الأبيات من قصيدته :

وآل شبيب ذو المفاخر والعلا
ليوث الشرى أرجو بهم يدرك الثأر
ستبكيك منهم عصبة هاشمية
بسمر القنا والبيض أدمعها حمر

ومن مؤرخين القرن التاسع عشر العالم والمؤرخ والنسابة النجدي إبراهيم بن صالح بن عيسى، ولد عام 1854م وتوفي عام 1925م، وهو أحد أبرز مؤرخين نجد والجزيرة العربية وذكر أحداث تتعلق بحكام مملكة المنتفق من أسرة السعدون الأشراف (آل شبيب سابقا) وأشار فيها إلى نسبهم، كتاب تاريخ ابن عيسى ، المقتطع من خزانة التواريخ النجدية ، حوادث سنة 1147هـ، ص: 69 (((وفيها قتل الروم محمد المانع بن شبيب القرشي الهاشمي العلوي رئيس بوادي المنتفق))). ذكر النص حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها الأمير محمد بن مانع آل شبيب، وهو والد الأمير سعدون بن محمد الذي عرفت بإسمه الأسرة لاحقا، وقد عرف المؤرخ تسلسل نسبه بــ القرشي (نسبة لقبيلة قريش) والهاشمي (نسبه لبني هاشم) والعلوي (نسبه لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه والذي يعرف نسله بالأشراف). وقد ذكر ابن عيسى الكثير من الأحداث التي تتعلق بحكام مملكة المنتفق في القرن التاسع عشر من آل سعدون ووصل انسابهم إلى الأمير محمد بن مانع آل شبيب المذكور بالنص أعلاه أو وصلها إلى ابنه الأمير سعدون بن محمد آل شبيب ونذكر أحد هذه النصوص على سبيل المثال وهو نص يتكلم عن معركة داخلية بين أبناء أسرة السعدون على الحكم في القرن التاسع عشر، كتاب تاريخ ابن عيسى ، المقتطع من خزانة التواريخ النجدية ، حوادث سنة 1268هـ، ص: 131 (((وفيها حصل وقعة شديدة بين عيال راشد بن ثامر السعدون ومن تبعهم من المنتفق وبين عيال عبد الله العقيل بن محمد بن ثامر السعدون ومن تبعه من المنتفق فقتل عبد الله آل عقيل بالمعركه، وانهزم اصحابه - ابن سعدون بن محمد بن مانع بن شبيب، وصارت الرياسة لعيال راشد على المنتفق وصار لهم الملك والرئاسة))). في هذا النص يصل المؤرخ نسب الأمير عقيل بن محمد بجده الثالث الأمير محمد بن مانع (المذكور بالنص الأول، ص: 69)، ويكون التسلسل: عقيل بن محمد بن ثامر بن سعدون بن محمد بن مانع بن شبيب.

والنخوة الخاصة لأسرة آل سعدون هي أخوان نورة بينما النخوة العامة هي (منشا) وهي النخوة العامة لكل عشائر وقبائل اتحاد المنتفق ، وقد كانت أسرة السعدون تلقب بـ (مغذية اليتامى) ويقال اللقب أيضاً بصيغة (معيشين اليتامى) و(مربين اليتامى) ، والتصق هذا اللقب بآل سعدون منذ زمن بعيد عندما وحدوا معظم قبائل وعشائر نصف العراق الأسفل في اتحاد واحد وهو اتحاد قبائل المنتفق، ويعود سبب هذا اللقب لأنهم كانوا يربون في بيوتهم الخاصة الكثير من الأيتام وقل أن تجد بيتاً من بيوت آل سعدون (آل شبيب سابقا) في ذلك الزمن لا يحوي عدداً من الأيتام يعيشون في كنفه، وتوارثوا هذه العادة تاريخيا وبعضهم استمر عليها لاحقا بعد سقوط مملكة المنتفق في الحرب العالمية الأولى ، يذكر أحمد بن محارب الظفيري ، في مقاله النار في حياة العرب... رفيقة أفراحهم وملح أهازيجهم ، جريدة السياسة ، سنة 2010 (((وعرفت اسرة السعدون الكريمة عند عربان البوادي بلقب مغذية اليتامى))).

ولقد أسست أسرة السعدون أيضا أكبر اتحاد للقبائل والعشائر مختلفة الأصول شهده العراق تاريخيا وتحت مشيخة شيخ مشايخ فعلي وهذا الإتحاد هو اتحاد قبائل المنتفق ، يذكر المؤرخ النجدي عبدالله بن محمد البسام التميمي (المولود عام 1858م والمتوفى بعنيزة عام 1927م ) ، في كتابه تحفة المشتاق في أخبار نجد والحجاز والعراق ، وذلك عند حديثه عن قبائل المنتفق في البصرة ، وعند حديثه عن المنطقة الواقعه في وسط مملكة المنتفق (مابين البصرة وسوق الشيوخ) ، كما يذكر الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق ( آل سعدون الأشراف) ، ص: 338(((وصار كل قبيلة منهم لهم نخيل معروفة وقرى معلومة من البصرة وأيديهم عليها . واستمرت بعدهم في أيدي أولادهم ثم أولاد أولادهم , وجعلوها ملكا لهم وعجز عنهم صاحب بغداد , وكانت الرئاسة على المنتفق لآل سعدون من آل شبيب وصاروا ملوكا وملكوا البصرة وسوق الشيوخ ومابينهما من باد وحاضر فهو تحت ايديهم))). يذكر خورشيد باشا (الذي اشترك بلجنة الحدود العثمانية الفارسية ما بين 1848م - 1852م وأصبح واليا لأنقرة لاحقا ) في تقريره الذي أعده للدولة العثمانية في تلك الفترة، وذلك عند حديثه عن عادات وتقاليد شيخ مشايخ المنتفق من أسرة آل سعدون الأشراف ، كتاب ولاية البصرة - من كتاب (سياحة نامة حدود) جولة بالمناطق الحدودية بين الامبراطورية العثمانية وفارس- ص: 59 ((( هناك عدد كبير من الشيوخ الثانويين تحت سيادة شيخ مشايخ المنتفق ، كل هذا العدد من الشيوخ تحت أمرة شيخ المنتفق ، وعن طريق كل منهم تصل تعليمات الشيخ الرئيسي الى افراد قبائلهم وعليهم ان ينفذوا هذه الاوامر طوعا لا اكراها ... وخلاصة القول يملك شيخ مشايخ المنتفق السلطة المطلقة على كل القبائل والعشائر التابعه له))). يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي، انتشار قبائل اتحاد المنتفق (أكبر اتحاد للقبائل والعشائر مختلفة الأصول شهده العراق تحت مشيخة شيخ مشائخ فعلي)، وذلك في موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، مجلد: 7 ،ص: 168 (((ان قبائل المنتفق من أعظم عشائر العراق. يمتدون من الحلة والديوانية والسماوة حتى البصرة وأراضي الحويزة، وكذا لواء العمارة غالبه منهم...ويرأس هذه القبائل أحد مشايخها مستقلا ويقال لأراضيهم (المنتفق).))). يذكر قبائل المنتفق المؤرخ والشاعر السعودي خالد الفرج ، المولود في الكويت عام 1898م والمتوفى عام 1954م، في كتابه الخبر و العيان في تاريخ نجد ،وذلك عند حديثه عن حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبد الله وعن أسرته ( آل سعدون الأشراف التي كانت تعرف في ذلك الوقت بـ آل شبيب) ، ص: 203 (((ورئاسة قبائل المنتفق ترجع إلى بيتهم من قديم، لأن المنتفق خليط من قبائل شتى تجمعهم رابطة التحالف والمجاورة والمصاهرات، إلى أن كونوا قبيلة كبيرة تحكمت في نواحي العراق، وكادت تستقل بحكمه))). ويذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، الوحدة العظيمة بين قبائل المنتفق والتي يرجع الفضل فيها الى آسرة آل سعدون الأشراف ، وهي الوحدة التي جعلت مملكة المنتفق وقبائلها وحكامها اللاعب الرئيسي في تاريخ العراق وجعلت معظم أحداث العراق مما يخصها ، في كتابه عشائر العراق وذلك عند حديثه عن المنتفق وعن عشائرها وقبائلها وحكامها ، ج4، قسم امارة المنتفق، ص27 (((كانت بينها وحدة عظيمة يرجع الفضل فيها إلى أمراء المنتفق، ومواهب القدرة والجدارة فيهم بادية وغالب وقائع العراق مما يخصها))).

وتتنوع أصول قبائل المنتفق بشكل يثير الدهشة بحيث أنه يوجد في هذا الإتحاد قبائل وعشائر من معظم الأصول العربية ، ويرجع السبب في ذلك الى تشجيع الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق ( آل سعدون الأشراف والتي كانت تعرف بـ آل شبيب ) لسياسة الهجرة للقبائل والعشائر العربية الى دولتهم ، يصف مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، كثرة الأصول التي ترجع لها قبائل وعشائر المنتفق وكأنه جزيرة العرب مالت الى العراق بكل تنوع أصول قبائلها ، في كتابه عشائر العراق ، ج4 ، قسم امارة المنتفق ، ص:28 (((وعشائر المنتفق من حيث العموم (عدنانية). سكنت العراق من القديم توالي ورودها، وتكاملت وكأن جزيرة العرب مالت الى أنحاء العراق، وجدتها مفتحة الأبواب. ويتخلل هذه عشائر قحطانية من زبيدية وحميرية عاشت معها، واكتسبت أوضاعها الا أن الاكثرية الساحقة عدنانية. ويطلق عليها "عشائر المنتفق"))). وهذه بعض أبرز الأصول التي ترجع لها قبائل وعشائر اتحاد المنتفق:

1- قبائل ترجع في أصلها للجد عامر بن صعصعه ( مثل قبيلة خفاجة ، وقبيلة عبادة ، وقبيلة بني سعيد وهم القسم المتبقي من قبيلة المنتفق القديمة ، وقبيلة بني مالك وهم أبناء عمومه لقبيلة المنتفق القديمة ... وغيرهم من العشائر والقبائل).
2- قبائل وعشائر طائية ( عشائر من طيء ومن بني لام ومن شمر وغيرهم ).
3- بني تميم العراق ، وبعضهم هاجر لولاية بغداد أو للحويزة لاحقا.
4- عشائر تنتمي لعنزه ( أشهرهم قبيلة البدور وعشيرة الزياد).
5- قبائل وعشائر تنتمي لربيعه ( وهم كثير في اتحاد المنتفق وأبرزهم قبيلة عبودة الملقبة "حبال الصيوان" لإعتماد آل سعدون عليهم).
6- عشائر تنتمي لبني خالد (بعد سقوط دولة بني خالد دخلت عشائر منهم في اتحاد المنتفق).
7- قبائل وعشائر حميرية ( منهم قبيلة بنو خيقان).
8- عشائر زبيدية.
9- قبائل وعشائر ترجع لغزيه.

وقد ضم اتحاد المنتفق قبائل كان لها دول وإمارات تاريخيا في العراق ، مثل قبيلة خفاجة التي كان لها دولة في العراق في القرن الخامس الهجري وكانت عاصمتها الكوفه، وقبيلة بني أسد والتي كان لها دولة في العراق منذ أواخر القرن الرابع الهجري وعاصمتها الحلة ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو , ج3 , ص: 652 , قسم بني أسد , عند حديث المؤلف عنهم من القرن السادس عشر ((( وظلوا , شأنهم شأن بني منصور وبني خيقان خاضعين للمنتفق حتى سقوط السعدون))) ، وقبيلة عبادة التي كان لها امارة في العراق ، وابن قشعم وقبائله والذي كان له دولة في غرب العراق في بداية القرن السابع عشر وكانت مدن دولته الرئيسية هي النجف وكربلاء ، ودخل هو وقبائله ضمن قبائل وعشائر ثلث الأجود أحد أثلاث اتحاد قبائل المنتفق ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في كتابه عشائر العراق ، عند حديثه عن آل قشعم (((والملحوظ ان هذه العشيرة ليست أكثر من أمارة أو رئاسة بدوية على عشائر عديدة فتعتبر ناظمة لها ومشتقة منها. وان امارة المنتفق غطت عليها أو دخلت هي ضمنها بل ضمن أحد أثلاثها ))) ، وضم اتحاد المنتفق أيضا اتحادات قبيلة أو عشائرية مثل اتحاد قبائل بني حكيم والذي فصل عن اتحاد المنتفق عام 1853م عندما تنازل آل سعدون عن لواء السماوة للعثمانيين وبقيت بعض قبائل بني حكيم على علاقة مع قبائل المنتفق ، ومثل تحالف عشائر الجوارين ، وضم أيضا قبائل كريمة ومشهورة جدا تاريخيا مثل بني تميم العراق ( هامة مضر) ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو , ج3, ص:542 ((( وكان بنو تميم في القرن الثامن عشر يشكلون جزءا من منتفق البصرة , لكنهم في هذه الأثناء ذابوا في أجزاء أخرى من هذا المجمع))). وان القارىء لكتاب عشائر العراق لمؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي لتصيبه الدهشة من كثرة القبائل والعشائر المختلفة الأصول التي أستطاعت أسرة السعدون أن توحدها في اتحاد قبائل المنتفق ، نذكر هنا نص من كتاب عنوان المجد في بيان أحوال بغداد والبصرة ونجد، وهو للمؤرخ إبراهيم فصيح الحيدري وهذا النص كتب فيما بعد منتصف القرن التاسع عشر .. وقد ذكر المؤلف ثلاثه وثلاثين قبيلة من قبائل اتحاد المنتفق (وهي أيضا من قبائل مملكة المنتفق كون اتحاد المنتفق جزء من مملكة المنتفق) وذكر المؤلف أيضا انه اقتصر على ذكر بعض قبائل المنتفق علما بأن مملكة المنتفق في عصره لم تكن في أقصى اتساع تاريخي لها حيث تم التنازل للدولة العثمانية من قبل أسرة السعدون عن مناطق كبيرة والعديد من العشائر والقبائل فيما كان يعرف تاريخيا بمرحلة الإفراز والتي بدأت عام 1853 م بالتنازل عن السماوة ، يقول المؤرخ إبراهيم الحيدري (((فمن أجل عشائرها عشيرة المنتفك – وهي ذات كثرة وتفرع إلى عدة قبائل، فمن قبائلها : بنو مالك، والأجود، وبنوسعيد, وبنو ركاب، والخفاجة ,والطوينات، والشويلات، والطوكبة، والبدور، والشريفات، والجمعيات، والماجد وآل صالح، والزهيرية، وشمر الزوابع، وشمر العبيدات وبنو سكين، وبنو تميم، والسليمات، والعيايشة، والبراجقة، والغزيوي، والعوينات، والفضيلة، وبنو نهد، وعبوده، والمجاوعة، وخرسان، وأمارة وربيعة، وكويش، وسراج، وآل دراج. وغير ذلك من القبيلة الكثيرة التي يطول بيانها. وكذا في جهة الغراف قبائل كثيرة للمنتفك يطول بيانها. وأنما اقتصرنا على بعضها ليعرف عظم عشائر المنتفك وأكابرهم آل شبيب وأكابر آل شبيب آل سعدون، وهم شيوخ المنتفك في عصرنا))). تصف المس بيل (التي كانت في العراق بعد الحرب العالمية الأولى) ، قبائل لواء المنتفق (والذي يمثل أقل اتساع تاريخي لمملكة المنتفق بعد مرحلة الإفراز وسقوط مملكة المنتفق الأول عام 1881م) ، في كتابها فصول من تاريخ العراق القريب، ص: 69 (((فإن المنطقة الممتدة من القرنة الى الناصرية , ومافيها من مستنقعات وأهوار الشلب وبساتين النخيل والبادية , تسكنها الآن حوالي خمسين قبيلة ذات أصل مختلف كانت كل منها تؤلف في وقت من الأوقات جزءا من مجموعة قبائل المنتفك في ظل الأسرة الحجازية الجبارة, أسرة السعدون))).

ومن الأخطاء الشائعة هي خلط البعض ما بين اتحاد قبائل المنتفق وقبيلة المنتفق القديمة والمنتسبه للجد عامر بن صعصعه ، والتي تشتت بشكل كامل عام 1546م بحملة أياس باشا على مدينة البصرة ولم يبقى منها سوى فرع عرف بقبيلة بني سعيد والتي انضمت لإتحاد قبائل المنتفق كثالث قبيلة في الإتحاد وأصبحت أحد قبائله الرئيسية ، وهي القبيلة التي سمي عليها ثلث بني سعيد والذي يضم بالإضافة لها مجموعة من القبائل والعشائر مختلفة الأصول ، وهذا الخطأ في عدم التفريق بين قبيلة المنتفق واتحاد قبائل المنتفق يقودنا الى نسبة تاريخ عشرات القبائل والعشائر في العراق والذين كانوا يشكلون اتحاد قبائل المنتفق الى قبيلة المنتفق التي ليس لها وجود فعلي منذ العام 1546م. يذكر الكسندر أداموف ، القنصل الروسي في البصرة في نهاية القرن التاسع عشر, في كتابه (ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها) ، وذلك عند حديثه عن أول ثلاث قبائل في اتحاد المنتفق ، ص: 178(((واسم المنتفقيون نفسه جاء كما يذكر خورشيد أفندي الذي اشترك في لجنة الحدود العثمانية - الفارسية في عام 1849م في كتابه، من الكلمة العربية (متفق) التي تعني (متحد) ذلك أن هذا الأتحاد تكون من اتحاد ثلاث قبائل رئيسية هي بنو مالك والأجود وبنو سعيد حيث توصلت هذه القبائل الثلاث بعد منازعات وخلافات طويلة إلى الأتفاق على انتخاب شيخ مشترك واحد. وقد وقع اختيارها على عائلة الشبيب التي كان جدها قد نزح من الحجاز قبل مايقرب من مائتي سنة واستقر مع أسرته بين القبائل المذكورة. ومنذ ذلك الوقت أصبح شيوخ المنتفقيون ينتخبون من هذه الأسرة فقط))).

تعاملت الدولة العثمانية مع مملكة المنتفق بعدة سياسات الهدف منها هو القضاء عليها ومن هذا السياسات الحملات العسكرية الضخمه والمتتابعه لعدة قرون (التي لم يتعرض لمثل عددها وحجمها أي كيان في العراق تاريخيا ، سواء كان هذا الكيان قبيلة أو امارة )، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي في كتابه عشائر العراق ، وذلك عند حديثه عن مملكة المنتفق (امارة المنتفق) ومحاولات الدولة العثمانية التي لاتحصى للقضاء عليها ، ج4، قسم امارة المنتفق ، ص: 122 ((( وقائع المنتفق كثيرة ، والتدابير المتخذة للقضاء على الامارة لاتحصى))) ، ومن السياسات التي استخدمها العثمانيون ضد مملكة المنتفق ، سياسة اللعب على وتر الإنشقاق بالأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق (أسرة آل سعدون الأشراف والتي كانت تعرف سابقا بـ آل شبيب) ، والمرحلة الأخطر والأكثر تأثيرا وهي مرحلة الإفراز منذ عام 1853م والتي تعني التنازل عن مناطق بكامل عشائرها وقبائلها للعثمانيين بموجوب وثائق يتم توقيعها وتم خلالها التنازل عن أكثر من نصف مساحة مملكة المنتفق ، يذكر الشيخ والمؤرخ علي الشرقي ، في كتابه ذكرى السعدون (الصادر عام 1929م) ، مرحلة الإفراز وتدرج العثمانيين باقتطاع أراضي مملكة المنتفق ، ص: 28 (((وتم للعثمانيين ماارادوه في بلاد المنتفق وكانوا يعملون عليه منذ قرون تقريبا فقد جاؤا على البنيان بالهدم حجارة حجارة حتى اتوا عليه وقد تدرج العثمانيون ينقصون مملكة المنتفق من السماوة والعمارة ومن أنحاء البصرة)))، وأخيرا مرحلة مابعد سقوط مملكة المنتفق الأول - بمعركة كون الريس ضد الدولة العثمانية - منذ عام 1881م والتي تسببت في انقسامها بعد سقوطها الى قسمين متصارعين قسم يمين الفرات وقسم بمنطقة الجزيرة مابين الفرات ودجلة وعلى نهر الغراف.

وعلى الرغم من السياسات العثمانية والتي تسببت في هجرة الكثير من القبائل من مملكة المنتفق الى ولاية بغداد أو الى عربستان (حيث شكلوا ثقلا عدديا كبيرا هناك ولكنهم فقدوا وحدتهم ) و سياسة الإفراز ، إلا ان اتحاد قبائل المنتفق حافظ على كونه أكبر اتحاد للقبائل والعشائر مختلفة الأصول في العراق ، يذكر قبائل اتحاد المنتفق بعد هذه الفترة الكسندر أداموف القنصل الروسي في البصرة في نهاية القرن التاسع عشر، في كتابه ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها (((إن اتحاد المنتفق، أقوى الاتحادات العراقية وأكثرها عددا... وفي مقدوره أن يقدم إلى ساحة المعركة ما يقارب من (50) ألف مقاتل ،بفضل اتحاد قبائله ورؤسائه من آل شبيب... (إنه) اتحاد مخيف، بل مرعب لقوى الدولة وللقوى الأخرى، طالما جرع الكثيرين هزائم لا تنكر))). يذكر هارولد ديكسون ، الوكيل السياسي البريطاني والذي عمل كسياسي بالعراق بعد الحرب العالمية الأولى ، في كتابه عرب الصحراء ، وذلك عند حديثه عن الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق وأسرة المشيخة في اتحاد قبائل المنتفق – أسرة السعدون الأشراف وعند حديثه عن قبائل اتحاد المنتفق وعن شهرة اسم المنتفق في المجتمع العربي وعن بادية العراق (((وتاريخ تحالف المنتفق يرتبط ارتباطاً لا ينفصم بالسعدون ، واسم المنتفق ذاته كما يستخدم في العراق يشير فقط إلى العائلة الحاكمة وإلى عبيدها وأتباعها والذين يعتبرون جزءاً لا يتجزأ منها. ولا يوجد أحد من رجال القبائل في العراق يدعو نفسه منتفقي مع أنه قد يستخدم الكلمة عندما يكون في مكة أو دمشق حيث لا تعرف قبيلته الصغيرة في حين أن شهرة المنتفق على كل لسان في المجتمع العربي. ومكانة السعدون والتي تتمتع بأهمية سياسية كبرى في جنوب ما بين النهرين تعتمد بشكل رئيسي على أصولهم وبشكل جزئي على الجهل التركي الرسمي أو تجاهلهم بعلاقتهم بالقبائل. كما لا يجب أن يغرب عن البال أن السعدون يرتبطون بالنظام الاجتماعي للصحراء ولم يخضعوا لتأثيرات المحلية التي خضعت لها قبائل العراق ، والتي كانت مثلهم من المهاجرين من الجزيرة العربية والذين سبقوهم بالهجرة وهم لذلك أكثر اتصالاً بتقاليد وعادات ما بين النهرين. وقد حافظ آل السعدون على السمات التي تميز بدو الجزيرة العربية ، فهم من السنة ومن أهل البعير أي الإبل وديرتهم هي منطقة الحماد غربي الحي أو جنوب الفرات حيث حفروا أو أعادوا حفر الآبار في منازلهم القبلية المعتادة وإليها يعودون بعد هطول المطر المبكر وحيث يتمتعون بسلطتهم كزعماء مستقلين للصحراء))).

وأخيرا دخلت مملكة المنتفق الحرب العالمية الأولى وهي مقسمه وقد فقدت الكثير من أراضيها وقبائلها في سياسة الإفراز وماتلاها ، وعندما دخل الأنجليز العراق عام 1914م ( الحرب العالمية الأولى ) ، اتخذ الأمير عجمي السعدون حاكم مملكة المنتفق ومعه معظم قبائله جانب العثمانيين (على الرغم من قتل العثمانيين لوالده الأمير سعدون (باشا) السعدون) ، وبقي يحارب الأنجليز هو ومعظم قبائل اتحاد المنتفق حتى سقوط العراق بأكلمه في يد بريطانيا العظمى نهاية عام 1918م ، ينقل المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، وصف للأمير عجمي السعدون، وذلك في كتابه البدو، الجزء الثالث، (عن فيلبي..الجزء الأول, ص 257) ، ص 631 (((كان عجمي أعظم ان لم يكن في الواقع العبقرية العسكرية الوحيدة التي أنجبها العرب خلال الحرب وكانت صفاته تستحق اعترافا أفضل ونجاحا أكبر حظا. وعلى الرغم من أنه كان عدونا لا يمكننا انكار تقديرنا للطريقة والشكل الذين استمر فيهما في خدمة قضية خاسرة ولا مستقبل لها على مدى سنوات الحرب في الصحراء، على الجانب الأخر من الفرات، كان دوما سهما في لحمنا وعاملا توجب علينا أن نحسب له حسابا))).

وفي عام 1915م أثناء القتال حاولت بريطانيا العظمى استمالة آل سعدون وذلك بعرض الحكم عليهم مقابل التخلي عن جانب الأتراك وهو العرض الذي أرسل مكتوبا من قبل السير بورسي كوكس (الحاكم الملكي لبريطانيا العظمى في العراق) للأمير عجمي السعدون (ومازال أبناؤه يحتفظون بهذه الوثيقة التاريخية) والذي رفضه الأمير عجمي السعدون كليا واستمر في قتال الأنجليز حتى سقطت مملكة المنتفق والعراق، وهذا نص الوثيقه ، المنشورة صورتها في كتاب القاموس العشائري العراقي ، ج:1 ، ص437(((شيخ العرب الأمير السعدوني
نبارك النسب السعدوني الهاشمي في الجزيرة العربية وشجاعة أبائكم وأخوانكم ونقدر مواقفكم من الاتراك نعرض عليكم كأمير عربي ونود أن نعلمكم إن الشيخ مبارك أمير الكويت وعبد العزيز أمير أرضه تخلو عن الاتراك وإننا نعرض عليكم أميراً على أرضك لا تضيع الفـرص على أهليكم يا شجاع نقدر فيك الموقف نعرض عليك لانك أحق من غيرك.
السير بورسي كوكس
الحاكم الملكي لبريطانيا العظمى
العراق 1915م))).

هاجر الأمير عجمي السعدون إلى تركيا بعد خسارة مملكة المنتفق الحرب وسقوط العراق بيد بريطانيا العظمى وقد تم منحه مقاطعة زراعية هناك من قبل الدولة العثمانية. يذكر فهد المارك، نص الرسالة التي وجهها كمال أتاتورك للأمير عجمي السعدون عند قدومه لتركيا، وذلك في كتابه من شيم العرب، ج1، ص:103، وقد أرسلت الرسالة في الفترة التي سبقت انقلاب أتاتورك على العثمانيين وقد ترجمها للعربية الدكتور أمين رويحة (((حضرة شيخ مشايخ العراق عجمي باشا. استبشرت بتشريفكم إلى ديار بكر، وكنت قد سمعت عن سجاياكم ورجولتكم وارتباطكم بمقام الخلافة المقدس، وأنا عندما كنت في الحرب المنصرمة في قيادة الجيش الثاني في ديار بكر وقيادة الجيش الرابع في حلب ممااحدث لكم في قلبي محبة كبيرة.....))) ويكمل المؤلف فهد المارك بعد عرضه نص الرسالة في كتابه من شيم العرب (((والشيخ عجمي الآن يقطن البلاد التركية حيث أدى به وفاؤه إلى ان ناضل في صف الأتراك إلى آخر لحظة، ولم يقف به وفاؤه إلى ان قاتل بجانبهم في بلاده العربية فحسب بل ذهب يناضل بجانب الجيوش التركية في قلب بلادها إلى ان هجر وطنه العراق.وهكذا ذهب البطل ضحية لوفائه حيث خسر زعامته في العراق واملاكه التي لاتحصى وبقي في تركيا لاجئا))).

تذكر المس بيل ، والتي عملت في العراق مستشارة للمندوب السامي البريطاني بيرسي كوكس ،وتوفيت عام 1926م ، في كتابها فصول من تاريخ العراق القريب (((في ظل الأسرة الحجازية الجبارة، أسرة السعدون والتي لعبت دورآ لا يستهان به في تاريخ المنطقة الحافل، قبائل المنتفق تشكل دومآ مصدر إزعاج للسلطات البريطانية، وخصوصآ وأنهم رؤوا أمراءهم السابقين (السعدون) متمسكين بكبرياء وتقاليدهم القتالية التي جعلتهم في معزل عن أي مساهمة أخرى في حكم البلاد، مما قوى دعاويهم، ولم يسهل أمرنا في أراضي المنتفق حتى عام 1919))).

18- المصادر:


1. كتاب البدو ، المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم.
2. الخبر والعيان في تاريخ نجد ، المؤرخ والشاعر السعودي خالد الفرج.
3. كتاب عشائر العراق ، مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي.
4. كتاب عرب الصحراء ، هارولد ديكسون ، الوكيل السياسي البريطاني والذي عمل كسياسي بالعراق بعد الحرب العالمية الأولى .
5. كتاب صور من تاريخ العراق في العصور المظلمة ، المؤرخ جعفر الخياط.
6. كتاب معجم الأنساب والأسرات الحاكمة في التاريخ الإسلامي ، المستشرق النمساوي زامباور - وزير النمسا في البلاط العثماني ما بين 1913 م - 1918 م.
7. كتاب أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث ، المؤرخ الإنجليزي ستيفن هيمسلي لونكريك ، الذي عمل كمفتشا إداريا بالعراق من قبل بريطانيا العظمى في الفترة التالية للحرب العالمية الأولى.
8. كتاب مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود , القسم المقتطع من خزانة التواريخ النجدية ، مختصر الشيخ أمين الحلواني , المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري.
9. كتاب تاريخ ابن عيسى ، المقتطع من خزانة التواريخ النجدية ، العالم والمؤرخ والنسابة النجدي إبراهيم بن صالح بن عيسى.
10. الدرر المفاخر في أخبار العرب الأواخر ، الشيخ محمد البسام التميمي.
11. كتاب مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود ، المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري.
12. كتاب تاريخ الجزيرة العربية ، المؤرخ حسين خلف الشيخ خزعل.
13. بحث: جذور الفكر السياسي في العراق الحديث ـ1ـ , محاولات الاستقلال المحلّي في العراق 1750ـ 1817 ، أ.م.د. رياض الأسدي , مجلة الجندول.
14. كتاب ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها ، الكسندر أداموف ، القنصل الروسي في البصرة في نهاية القرن التاسع عشر.
15. كتاب ذكرى السعدون ، الشيخ والمؤرخ علي الشرقي عام 1929م.
16. كتاب ولاية البصرة - من كتاب (سياحة نامة حدود) جولة بالمناطق الحدودية بين الامبراطورية العثمانية وفارس ، تقرير عثماني أعده للدولة العثمانية خورشيد باشا (الذي اشترك بلجنة الحدود العثمانية الفارسية ما بين 1848م - 1852م وأصبح واليا لأنقرة لاحقا).
17. كتاب دليل الخليج ، القسم التاريخي ، ج.ج. لوريمر.
18. كتاب تحفة المشتاق في أخبار نجد والحجاز والعراق ، المؤرخ النجدي عبدالله بن محمد البسام التميمي.
19. كتاب مباحث عراقية ، ق 3، المؤرخ يعقوب سركيس.
20. موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين ، مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي.
21. كتاب مختصر تاريخ البصرة ، علي ظريف الأعظمي.
22. كتاب كلشن خلفا ، المؤرخ العثماني نظمي زاده مرتضى افندي.
23. كتاب بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، عبدالكريم المنيف الوهبي.
24. كتاب عنوان المجد في تاريخ نجد ، المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية.
25. كتاب تاريخ حمد بن محمد بن لعبون ، المؤرخ حمد بن لعبون ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية.
26. كتاب البصرة في الفترة المظلمه ، المؤرخ حامد البازي.
27. كتاب تاريخ نجد ( روضة الأفكار والأفهام) ، المؤرخ الشيخ حسين بن غنام ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى.
28. كتاب دوحة الوزراء في تاريخ وقائع بغداد الزوراء ، المؤرخ العثماني التركي الشيخ رسول الكركوكلي.
29. كتاب التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي ، الذي كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام .. والمعاصر للحرب العالمية الأولى والذي سبق له تولي قضاء البصرة.
30. كتاب لمحات إجتماعية من تاريخ العراق الحديث ، الدكتور علي الوردي.
31. كتاب رحلة القائد العثماني سيدي علي التركي ، والذي يتضمن أيضا عدة أبحاث أخرى عن الجزيرة العربية والعراق في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ، د. عماد عبدالسلام رؤوف.
32. كتاب سبائك العسجد في اخبار نجل رزق الأسعد ، المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري.
33. كتاب البصرة .. ولاتها ومتسلموها .. من تأسيسها حتى نهاية الحكم العثماني ، ابن الغملاس.
34. كتاب الإيجاز في تاريخ البصرة والأحساء ونجد والحجاز ، عارف مرضي الفتح.
35. كتاب امارة المنتفق وأثرها في تاريخ العراق و المنطقة الأقليمية 1546م – 1918م ، الدكتور حميد بن حمد السعدون.
36. كتاب امارة المشعشعين – أقدم امارة عربية في عربستان ، د. محمد الزبيدي.
37. كتاب تاريخ بعض الحوادث الواقعه في نجد ، العالم والمؤرخ والنسابة النجدي إبراهيم بن صالح بن عيسى.
38. كتاب عشائر المنتفق ، المؤرخ العثماني سليمان فائق بك (أحد كبار الموظفين العثمانيين في العراق في القرن التاسع عشر).
39. مقالة: بين الناصريتين .. ناصرية العرب وناصرية العجم ، وكالة العراق نيوز المستقلة للأنباء ، 2010، كاظم فنجان الحمامي.
40. كتاب رحلة دوبريه إلى العراق (1807-1809) ، الرحالة دوبريه.
41. كتاب رحلة أبي طالب خان إلى العراق وأوروبة ، الرحالة أبي طالب خان (زار العراق في نهاية القرن الثامن عشر وبداية التاسع عشر).
42. كتاب القبائل والبيوتات الهاشمية في العراق , المؤرخ والنسابة يونس الشيخ إبراهيم السامرائي.
43. هامش كتاب تاريخ المنتفق لسليمان فائق (أحد كبار موظفين الدولة العثمانية بالقرن التاسع عشر) ، المؤرخ الشيخ علي الشرقي.
44. سوق الشيوخ ، المؤرخ والصحفي سليمان بن صالح الدخيل النجدي ، بحث منشور في مجلة لغة العرب عام 1912م ( قبل الحرب العالمية الأولى).
45. مقالة: عبدالرحمن بن عبدالله بن سيف العتيقي – صاحب الختمة العتيقية ، أ.د. عماد محمد العتيقي.
46. كتاب تاريخ مدينة سوق الشيوخ , عبدالكريم محمد علي.
47. كتاب رحلة المنشي البغدادي الى العراق ، السيد محمد آغا الفارسي ، رحلته عام 1820م.
48. كتاب امارة في بلاد الرافدين – الخميسية، حمد بن عبد الله بن حمد آل خميس.
49. مقالة : النار في حياة العرب... رفيقة أفراحهم وملح أهازيجهم ، جريدة السياسة ، سنة 2010، أحمد بن محارب الظفيري .
50. كتاب عنوان المجد في بيان أحوال بغداد والبصرة ونجد، المؤرخ إبراهيم فصيح الحيدري.
51. كتاب فصول من تاريخ العراق القريب ، المس بيل ، التي عملت في العراق مستشارة للمندوب السامي البريطاني بيرسي كوكس.
52. كتاب القاموس العشائري العراقي ، الشيخ أحمد العامري الناصري.
53. كتاب من شيم العرب، ج1، فهد المارك.
54. ديوان أسرة السعدون وعشائر المنتفق.







 

رد مع اقتباس