عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 04-11-2009, 11:59
أديب الدعفس
ضيف
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية :
 فترة الأقامة : 19841 يوم
 أخر زيارة : 01-01-1970 (04:00)
 المشاركات : n/a [ + ]
بيانات اضافيه [ + ]
البساطة والجمال




بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
"البساطة والجمال"
تحتاج صناعة الجمال إلى صبر ودقة وانتظام في العمل، ولا ينتج الجمال إلا من ذلك، ولا يستحق التقدير إلا المنتج الذي تحس أن صاحبه قد بذل فيه وقتا وجهدا، وأمسك بمفاتيحه قبل أن يبدأ به، والعمل البسيط الجميل مقدر أكثر من العمل المشحون بالتعقيدات، وكثير من الناس يعجب بالشيء البسيط الواضح، والبساطة التي لا تفقد الشيء شكله الجميل أو معناه الذي يعطيه حياته وحيويته هي الموافقة للفطرة السليمة، وبين الجهد المبذول في عمل ما والبساطة الجميلة مسافة من الأمور العاقلة والأمور المجنونة التي تضفي على الأشياء معانيها، وعلى الإنسان أن يتخير الوسيلة المناسبة لإبداعه والنتيجة المبتغاة من العمل، والتي تحدد الزمان الذي سيستغرقه والكيفية النهائية له، وأحيانا تحتاج البساطة لجهد يفوق ما يحتاجه العمل المعقد من جهد ومثابرة.
هكذا تكون المعادلة الصحيحة كالتالي: اصبر ودقق وانتظم لتخرج شيئا بسيطا مفهوما وجميلا، يقبل الخلود أكثر من الروح في جسد الكائن الحي، وليس أن تستغرق وقتا كبيرا لتخرج بعمل معقد، ولا يعدو أن يكون منظرا مجردا أو حجر عثرة في طريقك أو في طريق سواك ممن يسلكون الطريق معك، أو منزلقا ينحدر عليه من هم إمعات من الناس، فيتوهمون أنهم أدركوا ما تصبوا إليه الأذهان والقلوب وهم في حقيقة الأمر تائهين في غابة أو منقطعين في صحراء.

هكذا كانت الحكمة مختصرا سهلا لمجموعة كبيرة من الكلمات والجمل، ولمسافات بعيدة من الأمكنة وفترات سحيقة موغلة في التجارب الإنسانية على مر التاريخ، فانتشرت بين الناس حكمة الصينيين: "لا تعطني سمكة ولكن علمني كيف أصطاد"، كما هي اللوحة الفنية بريشة فنان عاكسة لمنظر أو فكرة؛ مختزلة في زواياها معنى ما تشاهد العينين، وشخصية الفنان، ومحققة لرغبة أعداد من البشر ممن يجدون في الشيء البسيط قيمة كبرى من الجمال فتجعل الناس يدركون تساويهم في المشاعر والأحاسيس فيجتمعون على الإعجاب بلوحات دافنشي وبتجربة بيكاسو في تكعيب الرسم، وكل حسب مستوى إدراكه يصل إلى ما يريد.

ثم إن النظرة البسيطة تقترح الشيء الكبير فتكون أما له، فمشاهدة من شخص كان بسيطا كنيوتن لمشهد حياتي بسيط هو منظر التفاحة تسقط على الأرض، صيرته عالم الجاذبية الأرضية وجعلت من المشهد حقيقة علمية، وانبثقت من ذلك نظريات في العلوم وتأسست صناعات وارتكزت عليها رؤى للمستقبل.

معانٍ لا تحدها كلمات ولا تسيطر عليها أوراق، هكذا يخرج المتأمل للحياة ببساطة الفطرة، فينضح بعد تأمله حكما ومعانٍ، ويختصر الجمال بيتا من شعر أو حكمة خالدة أو مثل تسير به الركبان، أو لوحة فنية تصل القلب المتجمد بعالم الطبيعة والفكرة، فتصفو ذائقته وتزكو روحه حتى تصير كطير يطير بجناحين فوق سماوات الواقع المؤلم أو المرهق في سياحة ذاتية بلا تذكرة سفر.

فمرحى لمن سعى إلى البساطة في اجتهاده، وأدرك أن في البساطة والشيء البسيط كل شيء وأنه ليس في التعقيد والسعي نحوه أي شيء؛ غير التأخر والتخلف وأسر الروح والعقل في زمان ماض رغم سرعة الزمن، وفي مكان واحد رغم تنوع الجغرافيا، وفي فكرة واحدة رغم تجدد الأفكار.


مكتبة ديوان العرب ... للكاتب / صلاح بن راشد بن عبيد الغريبي




رد مع اقتباس