وليس معنى ذلك أن تكون بيوتنا اليوم كذلك ، ولكن حينما نتفق أن الأساس ليس في الجدران أو الأثاث أو السقف ، وإنما على أمور أخرى ، فنحن نؤكد على توفر الأسس ، ثم يكون ما بعد ذلك كما يكون !.
ولذلك نستقي من خلال هذا العرض لبيوت النبي صلى الله عليه وسلم ، ثلاثة أركان قد توفرت , ووفرت البهجة والسرور ، وهى :
1- العبادة والطاعة.
2- التواضع والبساطة.
3- الزهد في الدنيا .
نرى هذه الأركان ونشاهدها، حينما ندخل بيت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، يقول الراوي:
( حجرة من طين، ملحق بها حجرة من جريد, مستورة بكساء من شعر ).
أما مكونات البيت:
ــ سرير من خشبات مشدودة بحبال من ليف
ــ عليه وسادة من جلد حشوها ليف
ــ وقربة ماء
ــ وآنية من فخار لطعامه وشرابه صلى الله عليه وسلم
والسؤال المطروح:
هل يمكن تحويل بيوتنا إلى هذه الصورة ؟
أم المقصود أن تتوفر في بيوتنا البساطة والقناعة ؟
أترك لكم الإجابة، ولكن من باب التعاون معاً، تعال نبحث عن رأى الإسلام الذي قدمه في هذا الأمر.
أربع من سعادة البيوت :
الإسلام لا يحول بين أن ينعم الإنسان ببيت واسع، ولذلك فالبيت ليس في صغره أو كبره، إنما في الإيمان والقناعة والطمأنينة والسلوك القويم.
وقد فسّر رسول الله صلى الله عليه وسلم, هذه الصورة المضيئة الجميلة، في قوله:
[ أربع من السعادة:
المرأة الصالحة
والسكن الواسع
والجار الصالح
والمركب الهنئ ]
والسؤال: هل البيت يتعامل مع النعمة بالتعالي على الآخرين والتفاخر، أم بإظهار فضل المنعم وهو الله تعالى ؟
يقول تعالى : { ولئن شكرتم لأزيدنكم } إبراهيم : 7 ، فما في البيت من نعم الله يستوجب الشكر ، فالشكر ينميها ويزكيها ويزيدها ، حتى الحديث عنها فهو من باب نشر هذا المعنى ، ولذلك يقول تعالى : { وأما بنعمة ربك فحدث } الضحى : 11 .
والإنسان حينما يتحدث عن نعمة الله بأنها من المنعم ، فهو يعظم الله أولاً ، ويدعو الناس إلى شكره تعالى ثانياً ، ويكون قدوة ايجابية لغيره من البيوت ثالثاً ...
ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم في تفسير هذا المعنى :
[ إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده ]
ولنتأمل في قوله صلى الله عليه وسلم : [ على عبده ] ، أي من توفرت فيه الطاقة والزاد اللذان يدفعانه إلى إظهار نعمة الله عليه ، والتحدث بها ، ولن يتوفرا في داخل البيت ، إلا بإعلان وتحقيق عبودية البيت لله تعالى ، فما البيت العابد إلا بأفراد عابدين .
وهذا يجعلنا نتساءل:
هل البيت يتعامل مع الدنيا فينشغل بنعيمها عن طاعة الله ، أم ينشغل بالطاعة وبناء بيت في الجنة ؟
يقول الشاعر :
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها
إلا التي كان قبل الموت يبنيهما
فإن بناها بخير طاب مسكنها
وإن بناها بشر خاب بانيها
ومن أجمل الإجابات ، أن تكون الإجابة بالموقف لا بالكلام ، وهذا مشهد لرجل يبنى بيتا ، فمر عليه على بن أبى طالب فقال له :
لقد كنت ميتاً فصرت حياً
وعن قليل تصير ميتاً
تبنى لدار الفناء بيتاً
فابن لدار البقاء بيتاً .
ولذلك نريد أن تكون بيوتنا في أيدينا ، بكامل بهائها وعظمتها
ولا تكون في قلوبنا ، فنحرم أنفسنا من بناء بيت في دار البقاء .